للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النّاسِ} أي قاتلوا لوجه الله ولا تكونوا في خروجكم إلى قتال المشركين كالمشركين الذين خرجوا من ديارهم إلى قتال المسلمين بطرا وهو الطّغيان في النّعمة ورياء الناس، والرّياء: هو إظهار الجميل مع إبطال القبيح. قوله تعالى: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (٤٧)؛أي هم مع بطرهم وريائهم يمنعون الناس عن دين الله.

قال ابن عبّاس: (وذلك أنّ بعض المشركين قالوا لأبي جهل وأصحابه قبل وصولهم إلى بدر: ارجعوا إلى مكّة فقد نحت العير، قالوا: لا حتّى تنحر الجزور وتشرب الخمور وتغنّي القينات، حتّى تسمع العرب بمسيرنا. فنزلوا ببدر ومعهم القينات بالدّفوف ويتغنّين بهجاء المسلمين، فسقاهم كأس المنايا مكان الخمور، وناحت عليهم النّوائح مكان القينات، فنهى الله المؤمنين أن يكونوا مثلهم، وأمرهم بإخلاص النّيّة والصّبر في نصر دينه ومؤازرة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم) (١).

قوله عزّ وجلّ: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ؛} أي واذكروا إذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم يوم بدر، وقال: لا غالب لكم اليوم من أحد من الناس فمنعتكم وكثّرتكم وإنّي دافع عنكم الشرّ، {فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ؛} أي لمّا توافقتا رجع الشيطان القهقرى على عقبيه هاربا خوفا مما رأى، {وَقالَ؛} للمشركين: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما؛} أي الملائكة تنزل من السّماء وأنتم، {لا تَرَوْنَ؛} وكان يعرف الملائكة ويعرفونه.

قوله عزّ وجلّ: {إِنِّي أَخافُ اللهَ؛} أي أخافه أن يصيبني معكم بعذابه، {وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ} (٤٨)؛لمن استحقّه، قال مقاتل: (كذب عدوّ الله، ما كان به من خوف من الله، فإنّ الله قد أنظره إلى الوقت المعلوم، ولكنّه خذلهم عند الشّدّة).ويقال: ظنّ إبليس أن الوقت الذي أنظره الله قد حضر.


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٥٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>