للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معين لهم، قال ابن عبّاس: (من فرّ من رجلين فقد فرّ، ومن فرّ من ثلاثة لم يفرّ) (١).

وهذا إذا كان للواحد المسلم من السّلاح والقوّة مثل ما لكلّ واحد من رجلين من الكافرين، كان فارّا، فأما إذا لم يكن، لم يثبت حكم الفرار.

قوله عزّ وجلّ: {ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} أي يكون له أسرى من المشركين فيفاديهم (٢) أو يمنّ عليهم، ولكن السّيف حتى يمكن في الأرض لا بد من القتال، فيقتل منهم قتلا ذريعا ليرتدع من وراءهم.

والإثخان في كلّ شيء: شدّته، يقال: أثخنه المرض إذا اشتدّ قوته عليه، وكذلك أثخنته الجراح.

قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا؛} خطاب للذين أسرعوا في أخذ الغنائم وشغلوا أنفسهم بذلك عن القتال، وذلك أنّهم لمّا كان يوم بدر تعجّل ناس من المسلمين فأصابوا من الغنائم، ومعناه: تريدون بالقتال المال، وسمّاه عرضا لقلّة لبثه. وقوله تعالى: {وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ؛} أي يريد منكم العمل بما تستحقّون به ثواب الآخرة، {وَاللهُ عَزِيزٌ؛} أي منيع في سلطانه، {حَكِيمٌ} (٦٧)؛في أمره وقضائه، فاعملوا ما أمركم به.

قوله تعالى: {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} (٦٨)؛أي لولا حكم من الله سبق في إباحة الغنائم لمسّكم فيما استبحتم قبل الإثخان عذاب عظيم. وقيل: لولا كتاب من الله سبق في أهل بدر أن يغفر الله لهم ما تقدّم من ذنوبهم وما تأخّر. وقيل: معناه: لولا حكم الله في اللّوح المحفوظ وفي القرآن أنه لا يعذّب قوما حتى يبيّن لهم ما يتّقون لأصابتكم عقوبة عظيمة.


(١) ينظر اللباب في علوم الكتاب: ج ٩ ص ٥٦٦.وبمعناه أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٦٤٢).
(٢) في المخطوط وضع فراغ ورسم فيه: (في‍ يهم أو يمن عليهم) والتقدير كما أثبتناه، حيث يقتضيه السياق والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>