قوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا؛} أي والذين صدّقوا من أهل مكّة في ديارهم ولم يهاجروا إلى المدينة، {ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ؛} أي ليس بينكم وبينهم ميراث، {حَتّى يُهاجِرُوا؛} وإطلاق لفظ الموالاة يقتضي التوارث في الجملة، وإن كان بعض أسباب الموالاة أوكد من بعض.
قال ابن عبّاس: لمّا نزلت هذه الآية قام الزّبير بن العوّام وأناس معه من المسلمين؛ قالوا: يا رسول الله كيف لا يرثنا إخواننا وهم على ديننا من أجل أنّهم لم يهاجروا؟ فهل نعينهم على أمر إن استعانونا عليه؟ فأنزل الله تعالى:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}.
معناه: وإن قاتلهم الكفار ليردّوهم عن الإسلام فانصروهم، {إِلاّ عَلى قَوْمٍ؛} إلاّ أن يقاتلوا قوما، {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ؛} فاستنصروكم عليهم فلم تقاتلوهم معهم، بل عليهم أن يكفّوا عن طلب النّصرة منكم لهم عليهم؛ لأنه أمان، وأمان واحد من المسلمين يلزم كافّتهم، فيجب الإصلاح بينهم على غير وجه القتال.
وقوله تعالى:{وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(٧٢)؛أي بصير بأعمالكم، يجازيكم عليها.
قال ابن عبّاس: فمكثوا على هذا ما شاء الله أن يمكثوا، ثمّ نزل قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ؛} أي أنصار بعض في الدّين، وبعضهم أولياء بعض في الميراث. يعني أنّ الكافر لا يرث المؤمن الذي لم يهاجر، بل الكافر يرث من الكافر، والمؤمن يرث من المؤمن، فصارت هذه الآية ناسخة للتي قبلها.
قوله تعالى:{إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ}(٧٣) أي إلاّ تفعلوا ما أمرتكم به ولم تورثوا الأعرابيّ الذي لم يهاجر من المهاجر، ولم تجعلوا ولاية الكافر للكافر وولاية المؤمن للمؤمن، {(تَكُنْ فِتْنَةٌ)} أي بالميل إلى الضّلالة وفساد في الدّين، فإن الكفار بعضهم أولياء بعض.
قوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا؛} أي أولئك الذين حقّقوا إيمانهم بالهجرة وإقامة الجهاد في سبيل الله. وقيل: معناه: أولئك الذين حقّق الله إيمانهم بأن أثنى عليهم ومدحهم في