للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى {(إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ)} أي لا عهود لهم؛ جمع يمين، وقال قطرب:

(لا وفاء لهم بالعهد).وقرأ الحسن وعطاء وابن عامر (لا إيمان) بكسر الهمزة؛ أي لا تصديق لهم، قال عطيّة: (لا دين لهم) أي هم قوم كفّار. وقيل: معناه: لا أمان لهم فلا تؤمّنوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم، فيكون مصدر أمّنته إيمانا. قوله تعالى:

{لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} (١٢)؛أي ليرجى منهم الانتهاء عن الكفر ونقض العهد.

وفي الآية بيان أنّ أهل العهد متى خالفوا أشياء مما عاهدوهم عليه فقد نقض العهد، وأما إذا طعن واحد منهم في الإسلام: فإن كان شرط في عهودهم أن لا يذكروا كتاب الله ولا يذكرون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بما لا يجوز، ولا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يقطعوا عليه طريقا ولا يعينوا أهل الحرب بدلالة على المسلمين، فإنّهم إذا فعلوا ذلك في عهودهم وطعنوا في القرآن وشتموا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ففيه خلاف بين الفقهاء.

قال أصحابنا: يعذرون ولا يقتلون، واستدلّوا بما روى أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ امرأة يهوديّة أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء فقيل: ألا تقتلوها؟ قال:

[لا] (١).ولحديث عائشة: أنّ قوما من اليهود دخلوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام عليك! ففهمت عائشة فقالت: وعليكم السّام واللّعنة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: [مهلا يا عائشة! فإنّ الله عزّ وجلّ يحبّ الرّفق في الأمر كلّه] فقالت: يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا؟! فقال: [بلى قد قلت: عليكم] (٢) ولم يقتلهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك (٣).فذهب مالك إلى أنّ من شتم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من اليهود والنصارى قتل إلا أن يسلم.

قوله تعالى: {أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ؛} قال ابن عبّاس: (ذلك أنّ قريشا


(١) أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الهبة: باب قبول الهدية من المشركين: الحديث (٢٦١٧).
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الاستتابة: باب إذا عرّض الذمي أو غيره بسب النبي صلّى الله عليه وسلّم: الحديث (٦٩٢٧).
(٣) جاء في حديث أنس رضي الله عنه: أنّ اليهوديّ قال: السّام عليك؛ فقالوا: يا رسول الله! ألا نقتله؟ قال: [لا؛ إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم].أخرجه البخاري في الصحيح: الحديث (٦٩٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>