للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإيمان، {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ} (٢٣)؛إنما جعل الظالمين لموالاة الكفار؛ لأنّ الراضي بالكفر يكون كافرا، وعن الضحّاك: (لمّا أمر الله المؤمنين بالهجرة وكانوا قبل الفتح بمكّة من آمن ولم يهاجر، لم يقبل الله إيمانه إلاّ بمهاجرة الآباء والأقرباء أي بمجانبتهم إذا كانوا كفّارا، فقال المسلمون: يا رسول الله! إن نحن اعتزلنا من خالفنا في الدّين، انقطع آباؤنا وعشيرتنا، وتذهب تجارتنا وتخرب ديارنا؟ فأنزل الله هذه الآية).

وقال الكلبيّ: (لمّا أمر الله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة إلى المدينة، جعل الرّجل يقول لأخيه وأبيه وامرأته وأقربائه: إنّا قد أمرنا بالهجرة إلى المدينة فاخرجوا معنا إليها، فمنهم من يعجبه ذلك فينازع إليه معهم، ومنهم من يأبى أن يهاجر فيقول الرّجل لهم: والله لا أنفعكم بشيء ولا أعطيكم ولا أنفق عليكم، ومنهم من تتعلّق به زوجته وولده وعياله، فيقولون له: ننشدك الله أن لا تضيّعنا، فيرقّ ويجلس ويترك الهجرة، فأنزل الله هذه الآية {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ)} أي أصدقاء فتفشون إليهم سرّكم وتؤثرون المقام معهم على الهجرة والجهاد إن استحبّوا الكفر على الإيمان، ومن يتولّهم منكم فيطلعهم على عورة الإسلام وأهله، ويؤثر المكث معهم على الهجرة، {(فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ)} أي القاضون الواضعون الولاية في غير موضعها.

قوله عزّ وجلّ: {قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ؛} أي قل يا محمّد للذين تركوا الهجرة إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم ونساؤكم وقراباتكم، {وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها؛} اكتسبتموها بمكّة وأصبتموها، {وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها؛} أي عدم نفاقها إذا اشتغلتم بطاعة الله، {وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها؛} ومنازل تعجبكم الإقامة بها بمكّة، {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ؛} طاعة، {اللهِ وَرَسُولِهِ؛} بالهجرة إلى المدينة، {وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ،} وأحبّ إليكم من الجهاد في طاعة الله، {فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ،} أي فانتظروا حتى يأتي الله بفتح مكّة، ويقال: حتى يأتي الله بعذاب عاجل أو آجل، {وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ} (٢٤)؛أي لا يرشد الخارجين عن طاعته إلى معصيته، ولا يهديهم إلى جنّته وثوابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>