للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنّني لكم من الله معلّم بموضع المخافة لتحذروا، وموضع الخير لتطلبوا، ونذير بمعنى منذر، كما في قوله {أَلِيمٌ} يعني مؤلم.

قوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ؛} أي وأمركم أن تطلبوا المغفرة من ربكم، واجعلوها غرضكم وتوصّلوا إليها بالتوبة وهي الندم على القبيح، والعزم على ترك المعاودة إليه. وقيل: معناه: وأن استغفروا ربّكم بالتوبة عما سلف من ذنوبكم، ثم توبوا إليه عمّا يقع منكم من الذنوب في المستقبل.

قوله تعالى: {يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى؛} {(يُمَتِّعْكُمْ)} جزم على جواب الأمر؛ أي إن فعلتم ذلك أنعم الله عليكم نعما سابغة حسانا تستبقون بها إلى آجالكم التي قدّرها الله لكم، فلم يستأصلكم كما استأصل الأمم المكذّبة به قبلكم.

قال القتيبيّ (١): (أصل الإمتاع الإطالة) (٢) يقال: جبل ماتع، وقد متع النهار إذا طال، فمعنى يمتّعكم يعمّركم.

قوله تعالى: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ؛} أي من كان ذا فضل في دينه فضّله الله في الآخرة بالثواب على عمله. وقيل: يعطي كلّ ذي عمل صالح أجره وثوابه. وقال ابن عبّاس: (يعطي كلّ من فضلت حسناته على سيّئاته فضله؛ يعني الجنّة وهي فضل الله، يعني أنّ من زادت حسناته على سيّئاته دخل الجنّة).وعن ابن مسعود قال في هذه الآية: (من عمل حسنة كتبت له عشر حسنات، ومن عمل سيّئة كتبت له سيّئة واحدة، وإن لم يعاقب بتلك السّيّئة في الدّنيا أخذ من عشر حسناته واحدة وبقيت له تسع) ثمّ قال: (هلك من غلبت آحاده أعشاره) (٣).

قوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا؛} أي إن أعرضوا عن الإيمان والتوبة، {فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} (٣)؛أي عظيم الشّأن وهو يوم القيامة، وإنما


(١) القتيبيّ: هو ابن قتيبة عبد الله بن مسلم، توفي سنة (٢٧٦) من الهجرة.
(٢) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٩ ص ٤؛ قال القرطبي: (وأصل الإمتاع الإطالة، ومنه أمتع الله بك ومتّع).وينظر قول ابن قتيبة في غريب الحديث: ج ١ ص ٥٩٧.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٣٨٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>