إنّكم مبعوثون من بعد الموت، ليقولنّ الذين كفروا: ما هذا إلا تمويه ليس له حقيقة، وقد أقرّوا أنّ الله خالق السموات والأرض، ويمسكها بغير عمد، لا يعجزه شيء فكيف يشكّون في البعث بعد الموت.
قوله تعالى:{وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ؛} معناه: ولئن أخرنا العذاب عن الكفار، {إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ،} ليقولون: {ما يَحْبِسُهُ،} ما منعناه، قال ابن عبّاس ومجاهد:(يعني إلى أجل وحين)،والأمّة ههنا المدة، ليقولنّ ما يحبس هذا العذاب عنّا إن كان ما يقوله محمّد حقّا، يقول الله تعالى:{أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ؛} العذاب، {لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ؛} لا يقدر أحد على صرفه عنهم.
فالمعنى: أنّهم لمّا قالوا: ما يحبس العذاب عنّا على وجه الاستهزاء، قال الله تعالى: {(أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ)} يعني إذا أخذتهم سيوف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لم تغمد عنهم حتى تعلو كلمة الإخلاص. قوله تعالى:{وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ}(٨)؛أي نزل بهم جزاء استهزائهم وهو العذاب.
قوله تعالى:{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ} لا يصبر على سلب تلك النعمة، ويصير أيأس شيء أقنطه من رحمة الله، قال ابن عبّاس:(نزلت في الوليد بن المغيرة)،وقيل: في عبد الله بن أبي أميّة المخزوميّ (١).
والرحمة ههنا الرّزق، وقوله:{كَفُورٌ}(٩)؛أي لا يشكر نعم الله قبل أن تسلب عنه، ولا يصبر بعد أن سلبت.
قوله تعالى:{وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي؛} أي ولئن أذقنا الكافر النّعم الظاهرة بعد المضرّة الظاهرة التي أصابته، ليقولنّ الكافر: ذهب الشدائد والضرّ والفاقة والآلام عنّي، ويفرح بذلك ويبطر ويفجر به على الناس من دون أن يشكر الله على كشف الشدائد عنه.
(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ٩ ص ١٠ - ١١.