{مِنْ دُونِهِ؛} أي قال هود: إنّي أشهد الله على نفسي، واشهدوا أنتم أيضا أنّي بريء مما تشركون مع الله في العبادة، ولم يكن إشهاده إيّاهم للاحتجاج بقولهم، وإنما هو للاحتجاج عليهم.
قوله تعالى:{فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ}(٥٥)؛أي إن قدرتم على قتلي أنتم وآلهتكم، أو على إنزال السّوء، فافعلوا ولا تمهلوني طرفة عين، ولم يقل هذا على جهة الأمر لهم، وإنما قال لبيان عجزهم.
قوله تعالى:{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ؛} أي فوّضت أمري إلى خالقي وخالقكم متمسّكا بطاعته وتاركا لمعصيته، وهذا هو حقيقة التوكّل على الله.
وقوله تعالى:{ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها؛} أي ما من أحد إلا وهو في قهر الله وتحت قدرته، وإنما جعل الأخذ بالناصية كناية عن ذلك؛ لأنّك إذا أخذت بناصية غيرك فقد قهرته وأذللته، والنّاصية مقدم شعر الرأس، قوله تعالى:
{إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}(٥٦)؛أي هو في تدبير عباده لا يفعل إلا الحقّ، فإنه عادل لا يجور، ويقال: إن معناه: أن طريق العبادة على الله كما قال تعالى {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ}(١).
قوله تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ؛} أي فإن تولّوا عن الإيمان فما هو تقصير مني في إبلاغ الرسالة، ولكن لسوء اختياركم، {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ؛} أطوع له منكم؛ أي يهلككم بعذاب استئصال، قد يستخلف بهلاككم قوما غيركم أطوع له منكم، {وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً؛} أي لا تقدرون على أن تنقصوا شيئا من ملكه وهو سبحانه لا يجوز عليه المضارّ. قوله تعالى:{إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ؛}(٥٧) أي هو شاهد على أعمال العباد للمجازاة، لا يخفى عليه شيء منها.