أنا وخبّازك، فرأينا فيها رؤيا فقصصناها على رجل في السجن عالم صالح صادق، فأخبرنا بها فكان كما أخبر، فأرسلون إليه.
فأرسلوه فدخل السجن وقال:{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ؛} وحذف كلمة النداء اختصارا، والصّدّيق: الذي يجري على عاداته في الصّدق والتصديق بالحقّ.
قوله تعالى:{أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ؛} خرجن من نهر بيت تبعهنّ {يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ؛} بقرات، {عِجافٌ؛} هالكات من الهزال، وفي {وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ؛} التوين على الخضر وغلبن خضرتهن. قوله تعالى:{لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}(٤٦)؛أي لإن أرجع بتأويل ذلك إلى الملك والناس يعلمونه.
فقال له يوسف: أما سبع بقرات سمان فهي سبع سنين خصبة، وأما سبع بقرات عجاف فهي السّنون السّبع الجدبة، وأما سبع سنبلات يابسات فهو القحط والغلاء في السّنين الجدبة، ثم علّمه يوسف عليه السّلام كيف يصنعون،
كما قال الله تعالى:
{قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً؛} أي على ما هو عادتكم في الزراعة، وقيل: معنى قوله {(دَأَباً)} بجدّ واجتهاد.
قوله تعالى:{فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ؛} أي فما حصدتم من الزّرع، فاتركوه في سنبله ولا تدرسوه، {إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ}(٤٧)؛من ذلك في كلّ سنة، وإنما أمرهم بهذا؛ لأن الحنطة إذا كانت في سنبلها كانت أبقى منها اذا درست، فإنّها إذا درست تآكلت، وفسدت بمضيّ المدّة عليها.
قوله تعالى:{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ؛} أي قحطة ضيّقة على الناس، تأكلون فيها ما ادّخرتم من زروع السّنين الخصبة، {يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ}(٤٨)؛إلاّ شيئا قليلا تحصنونه في موضع من المواضع، ونسب الأكل إلى السّنين القحط على التوسّع؛ لأن الأكل كان يقع فيها.
قوله تعالى:{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}(٤٩) هذا خبر من يوسف عليه السّلام عما لم يكن في رؤيا الملك، ولكنه من علم الغيب الذي آتاه الله إياه، كما قال قتادة:(زاده الله علما سنة لم يسألوه عنها).