للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فخرج يوسف، {فَلَمّا،} دخل على الملك، {كَلَّمَهُ،} قال: اللهمّ إنّي أسألك من خيره وأعوذ بك من شرّه وشرّ غيره، ثم سلّم عليه يوسف بالعربيّة، فقال له: وما هذا اللسان؟ قال: لسان عمّي إسماعيل، ثم دعا له بالعبرانيّة، فقال له: وما هذا اللسان؟ قال: لسان آبائي. فأعجب الملك ما رأى منه.

وكان يوسف يومئذ ابن ثلاثين سنة، فلما رأى الملك حداثة سنّه قال لمن عنده: إنّ هذا علم تأويل رؤياي، ولم تعلمه السحرة ولا الكهنة، ثم أجلسه وقال له:

إنّي أحبّ أن أسمع تأويل رؤياي شفاها منك.

قال: أيّها الملك، رأيت سبع بقرات سمان حسان كشف لك عنهنّ النيل، خرجن عليك من شاطئه، فبينما أنت تنظر إليهن، ويعجبك حسنهنّ إذ نضب النيل وغار ماؤه، فخرج من حمأته ووجله سبع بقرات عجاف شعث غير مقلصات البطون، ليس لهن ضروع ولهن أضراس وأنياب وأكفّ كأكفّ الكلاب، فاختطفن بالسّمان فافترسوهنّ افتراس السّبع، فأكلن لحومهن ومزّقن جلودهن ومشمشن مخّهنّ وحطّمن عظامهنّ.

فبينا أنت تتعجّب إذ بسبع سنبلات خضر وسبع أخر سود في منبت واحد وأصولهن في الماء، إذ هبّت ريح فجعلت اليابسات السود على الخضر المثمرات، فأشعلت فيهن النار فأحرقتهن، فهذا ما رأيت من الرّؤيا. فقال الملك: والله إن هذه الرؤيا وإن كانت عجبا، فإن الذي سمعت منك أعجب، فما ترى فيها؟ فقال تأويلها كذا وكذا كما قد تقدّم.

قوله تعالى: {قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ} (٥٤)،أي قال له الملك: إنّك اليوم لدينا متمكّن من فعل ما تريد، نافذ القول والأمر، قد ظهرت أمانتك، وظهر كذب النساء عليك، ولم تظهر منك خيانة.

قوله تعالى: {قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (٥٥)؛ أي قال يوسف: اجعلني على خزائن أرضك، واجعل تدبيرها إليّ، وأراد بذلك الخزائن التي يجمع فيها طعام الأرض وأموالها التي كان مصيرها إلى الملك، وكانت أرض مصر أربعين فرسخا في أربعين فرسخا. وإنما قال يوسف ذلك لصلاح الخلق؛

<<  <  ج: ص:  >  >>