قوله تعالى:{قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ؛} فيه إضمار، تقدير الكلام: فرجع الرسول إلى الملك فأعلمه بذلك، فأرسل الملك إلى النسوة فأحضرهنّ، ثم قال لهن: {(ما خَطْبُكُنَّ)} أي ما شأنكن إذ طلبتنّ يوسف عن نفسه، {قُلْنَ حاشَ لِلّهِ؛} هذا جواب النسوة للملك بكلمة التّنزيه، نزّهن يوسف عن ما اتّهم به. قوله تعالى:{ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ؛} أي من قبيح.
قوله تعالى:{قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ؛} أي تبيّن وظهر الحقّ ليوسف، {أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ؛} أي دعوته إلى نفسي، {وَإِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ}(٥١)؛في قوله إنه لم يراودني.
قال ابن عبّاس:(فرجع صاحب الشّراب إلى يوسف فأخبره بذلك، فقال يوسف:{ذلِكَ،} الّذي فعلت من ردّي رسول الملك إليه في شأن النّسوة){لِيَعْلَمَ} العزيز، {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ}(٥٢) في زوجته في حال غيبته عنّي.
قال أهل الوعظ: فقال جبريل: بل ولا هممت بها، فقال يوسف:{*وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي؛} فإن صحّت هذه الرواية كان المعنى: وما أبرّئ نفسي من الهمّ؛ أي ما أزكّيها، وتزكية النفس مما يذمّ.
قوله تعالى:{إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ؛} أي بالقبيح، وذلك لكثرة ما تشتهيه وتسارع إليه. قوله تعالى:{إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي؛} أي إلا ما عصمني ربي بلطفه، و (ما) بمعنى (من)،كقوله {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ}(١)،وفي هذا دليل أنّ أحدا لا يمتنع من المعصية إلا بعصمة الله، وقوله تعالى:{إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}(٥٣)؛ أي غفور لذنوب المذنبين، رحيم بهم بعد التوبة.
قوله تعالى:{وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي؛} أي قال الملك:
ائتوني بيوسف أجعله خالصا لنفسي أرجع إليه في تدبير مملكتي، وأعمل على إشارته، فلما جاءه الرسول قال: أجب الملك، قال: الآن.