قوله:{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ}(١٥)؛أي ولله يسجد ويصلّي ويعبد من في السّماوات والأرض والملائكة، ومن دخل الإسلام طوعا يسجد له طائعا، والمكره هو الذي قوتل وسبي وأجبر على الإسلام، ويقال: أراد بقوله {(طَوْعاً)} أهل الإخلاص، و {(كَرْهاً)} أهل النفاق، قوله {(وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ)} يعني إذا سجد الإنسان سجد معه ظلّه، قال الحسن:
(أمّا ظلّ الكافر فيسجد لله، وأمّا هو فلا يسجد، فبئس والله ما يصنع)(١).
قوله تعالى:{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ؛} أي قل يا محمّد لأهل مكّة: من ربّ السموات والأرض؟ فإن أجابوك وقالوا: هو الله، وإلاّ فقل: الله ربّهما، و {قُلْ؛} لهم: {أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ؛} أي أربابا، {لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا؛} فكيف يملكون لكم النفع والضر.
قوله تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ؛} أي قل لهم: هل يستوي أعمى القلب الذي يعدل عن عبادة الخالق؟ هل يستوي مع البصير بقلبه، العالم بأنه تعالى إلهه ووليّه والقادر على نفعه ودفع الضّرّ عنه، {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ؛} فيه تشبيه الكفر بالظّلمات، وتشبيه الإيمان بالنّور.
قوله تعالى:{أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ؛} معناه: أجعل الكفار لله شركاء، خلقت شركاؤهم شيئا كما خلق الله، {فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ؛} فلم يعرفوا خلق الشركاء من خلق الله فأشركوها معه في العبادة، {قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ؛} بلا شريك، فإذا لم يكن الخلق إلا من واحد لم يكن الخالق إلا واحدا، فهو الذي يستحقّ العبادة بلا شريك، {وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهّارُ}(١٦)؛الغالب لكلّ شيء، لا يقهره أحد.
ثم ضرب الله مثلا للحق والباطل،
وقال تعالى:{أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها؛} أنزل مطرا فسالت أودية من ذلك المطر بقدر الأودية، فما كان منها كبيرا سال بقدره، وما كان صغيرا سال بقدره. قوله تعالى:{فَاحْتَمَلَ}
(١) أخرجه الطبري بمعناه في جامع البيان: الأثر (١٥٤١٣) عن مجاهد.