للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجبار: هو الطالب للخير والعلوّ فوق كلّ علوّ، والعنيد: هو الدافع للحقّ على جهة الاستنكار، وقال قتادة: (العنيد: المعرض عن طاعة الله) (١)،وقال مجاهد:

(هو المجانب للحقّ).

قوله تعالى: {مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ؛} معناه أمام هذا الجبّار بعد الموت جهنّم، والوراء يكون من خلف وقدّام. قوله تعالى: {وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ؛} (١٦) أي يسقى من ماء يسيل من جلود أهل النّار من القيح والدّم، قال ابن عبّاس: (في جهنّم أودية، في تلك الأودية صديد أهل النّار وقيحهم ودماؤهم، فيسقون من ذلك الصّديد قد نتن ريحه)

{يَتَجَرَّعُهُ؛} شاربه، والملك يضربه بالمقامع ويقول له:

اشرب، فيقول: لا أطيقه، فيضربه حتى يشربه جرعة جرعة، ولا يكاد يسيغه من نتنه وحرّه.

قوله تعالى: {وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ؛} لا يقدر أن يبتلعه، والإساغة هو دخول المشروب في حلقه مع قبول النفس له، وفي الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:

[يقرّب إليه فيكرهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه فيه، فإذا شربه قطّع أمعاءه، فتخرج أمعاؤه من الجانب الآخر] (٢) كما قال تعالى: {وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ} (٣).

قوله تعالى: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ؛} أي ويأتيه غمّ الموت من قدامه، ومن كلّ مكان كان فيه يموت بدون ذلك في الدّنيا، قال ابن عبّاس:

(يأتيه الموت من تحت كلّ شعرة في جسده) (٤).قيل: وتأتيه النيران من كلّ جانب، {وَما هُوَ بِمَيِّتٍ،} فيستريح من العذاب، {وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ} (١٧)؛أي ومن بعد ذلك عذاب شديد أشدّ مما تقدّم لا ينقطع ولا يفتر.


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٥٦٢٤).
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ج ٨ ص ٩٠ عن أبي أمامة: الحديث (٧٤٦٠).والطبري في جامع البيان: الحديث (١٥٦٣١).والترمذي في الجامع: الحديث (٢٥٨٣)،وقال: حديث غريب.
(٣) محمد ١٥/.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٥٦٣٣) عن إبراهيم التيمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>