قوله تعالى:{لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ}(٤٣)؛أي لا يغمضون أعينهم من الهول والفزع، وقوله تعالى: {(وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ)} أي قلوبهم خالية من خير، وقيل: مجوّفة لا عقول فيها، قال السديّ:(هوت أفئدتهم بين موضعها وبين الحنجرة، فلا هي عائدة إلى موضعها، ولا هي خارجة منها).
ثم عاد إلى خطاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:{وَأَنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ؛} أي أعلمهم بموضع المخافة يوم يأتيهم العذاب وهو يوم القيامة، {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا؛} أي الكفار: {رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ؛} أعدنا إلى حال التكليف، {نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ؛} واستمهلوا مدّة يسيرة كي يجيبوا الدعوة ويتّبعوا الرسل، فقال الله تعالى:{أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ؛} أي حلفتم من قبل هذا في الدّنيا، {ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ}(٤٤)؛من الدّنيا الى الآخرة كما قال الله تعالى:{وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ}(١).
قوله تعالى:{وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ؛} أي سكنتم في مساكن عاد وثمود، {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ؛} أي ظهر لكم كيف كفروا بالله ورسله، وكيف عاقبهم الله، والمعنى: كان ينبغي أن ينزجروا أو يرتدعوا الكفر اعتبارا بمساكنهم بعد ما تبيّن لكم كيف فعلنا بهم. قوله تعالى:
{وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ}(٤٥)؛أي وبيّنّا لكم الأمثال في القرآن المنبه على التفكّر، فلم يعتبروا بتلك الأمثال.
قوله تعالى:{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ؛} أي قد مكرت الأمم الماضية بأنبيائهم ما أمكنهم من المكر، والله تعالى عالم بمكرهم، {وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ؛} جزاء، {وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ}(٤٦)؛من قرأ (لتزول) بكسر اللام فالمعنى: وإن كان مكرهم قصدا منهم إلى أن تزول منه الجبال، ثم لا تزول منه الجبال، فكيف يزول منه الدّين الذي هو أثبت من الجبال.