لكم مدّة تنظرون فيها ما يصلح لكم، ثم أمر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة فنزعت عنهم وأمر بإخراجهم من عنده. فعمد كلّ واحد منهم إلى بيت أبيه واخذ له منه زادا، وخرجوا هاربين فمرّوا بكلب، فتبعهم فطردوه ثم تبعهم، ففعلوا ذلك مرارا، فقال لهم الكلب: ما تخشون منّي أنا أحبّ أحباب الله، فمتى نمتم كنت أحرسكم).
وقال ابن عباس: (كانوا سبعة هربوا ليلا، فمرّوا براع ومعه كلب، فتبعهم على دينهم، فوصلوا إلى كهف قريب من البلد فلبثوا فيه، ليس لهم عمل إلاّ الصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتحميد، وجعلوا نفقتهم على يد واحد منهم يقال له:
يمليخا، فكان يشتري لهم متاعهم من المدينة سرّا، وكان من أجملهم وأجلدهم، وكان إذا أراد أن يدخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا، ويأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يسألون الناس، ثم يأخذ ورقة ويشتري طعاما، ويتجسّس الأخبار، ويسمع هل يذكر هو وأصحابه، ثم يعود إلى أصحابه، فلبثوا كذلك ما لبثوا.
ثم إنّ دقيانوس الجبار شدّد على من بقي من المسلمين، وأمرهم بالذبح للطواغيت، وكان يمليخا حينئذ هناك متنكّرا، فسمع بأنّ دقيانوس يطلب الفتية ويسأل عنهم، فرجع يمليخا هاربا إلى أصحابه وهو يبكي ومعه طعام قليل، فأخبرهم أنّ دقيانوس يسأل عنهم، ففزعوا ووقفوا سجودا يتضرّعون إلى الله، يتعوّذون به من فتنتهم، وذلك عند غروب الشّمس فبينا هم كذلك إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، فأصابهم ما أصابهم وهم مؤمنون موقنون، ونفقتهم عند رءوسهم.
فلما كان من الغد التمسهم دقيانوس فلم يجدهم فغضب غضبا شديدا، وأرسل إلى آبائهم فسألهم عنهم، وقال: أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصوني، فقالوا:
ما ندري أين ذهبوا، ولقد أخذوا أموالنا وهربوا، وليس لنا في ذلك ذنب لأنّا لم نعصك فلا تعاقبنا فيهم. فخلّى سبيلهم وجعل لا يدري ما يصنع بالفتية، فبلغه الخبر أنّهم ارتفعوا الجبل فالتمسهم هناك حتى وجدوا الكهف، فألقى الله في نفسه أن يأمر بالكهف فيسدّ عليهم.