للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً؛} أي فكلي من الرّطب، واشربي من النهر، وقرّي عينا بولدك عيسى، وطيبي نفسا؛ أي يقال: قرّت عينه؛ أي بردت برد السرور بما ترى، ويقال: سكنت سكون السّرور برؤية ما تحبّ، فالأول من القرّ؛ والثاني من القرار. وانتصب {(عَيْناً)} على التفسير المحول، كما يقال: طيبي نفسا؛ أي طابت نفسك.

قوله تعالى: {فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً؛} أي فإما ترينّ من الآدميّين أحدا، فسألك عن الولد أو لامك عليه، {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً؛} أي صمتا، وكذلك كان يقرؤها ابن مسعود وأنس رضي الله عنهما، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: (صمتا؛ أي أوجبت على نفسها أن لا تتكلّم) (١).

وقال قتادة: (صامت عن الطّعام والشّراب والكلام) ولهذا قالت: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} (٢٦)؛أي آدميّا، وكان قد أذن لها أن تتكلم بهذا القدر ثم سكتت. قال ابن مسعود رضي الله عنه: (أمرت بالصّمت؛ لأنّها لم يكن لها حجّة عند النّاس في شأن ولدها، فأمرت بالكفّ عن الكلام يكفيها ولدها الكلام بما يبرئ ساحتها) (٢).

وفي الآية دلالة أنّ الصمت كان قربة في زمانهم، ولولا ذلك لما نذرته مريم، ثم نسخ ذلك بنهي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن صوم الصّمت. ويروى أنه صلّى الله عليه وسلّم نهى عن صمت يوم إلى اللّيل (٣).

قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا} (٢٧)؛روي أنّها أتت بعيسى تحمله إلى قومها بعد أن طهرت من نفاسها؛ أي بعد أربعين يوما، فتكلّم عيسى في الطريق وهو ابن أربعين يوما، فقال: يا أمّاه أبشري فإنّي عبد الله ومسيحه، فلما دخلت على قومها بكوا وحزنوا، وكانوا أهل


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٧٨٣١ - ١٧٨٣٤).
(٢) في الدر المنثور: ج ٥ ص ٥٠٦؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن أبي حاتم عن حارثة بن مقرب ... وذكره).
(٣) رواه الدارقطني في السنن: ج ٤ ص ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>