للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (٤١)؛أي اختصصتك لوحيي ورسالتي، والاصطناع هو الإخلاص بالألطاف. وقال الزجّاج معناه: (اخترتك لإقامة حجّتي، وجعلتك بيني وبين خلقي).

قوله تعالى: {اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي؛} أي باليد والعصا، {وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي} (٤٢)؛أي لا تقتّرا في تبليغ رسالتي إلى فرعون، ولا تضعفا عن ذكري، وقيل: لا تقصّرا ولا تبطئا.

قوله تعالى: {اِذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} (٤٣)؛قد تقدّم تفسيره.

قوله تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً؛} أي قولا له بالشّفقة، ولا تقولا له قولا عنيفا، فيزداد غيضا بغلظ القول. قال السديّ وعكرمة: (كنّياه قولا له: يا أبا العبّاس) وقيل: يا أبا الوليد (١)،ويا أيّها الملك. وقيل: يعني بالقول اللّين: {هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى. وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى} (٢).

وعن السديّ قال: (القول اللّيّن: أنّ موسى أتاه فقال له: تؤمن بما جئت به، وتعبد ربّ العالمين على أنّ لك شبابك فلا تهرم، وأنّ لك ملكك لا تنزع حتّى تموت، ولا تنزع عنك لذة الطّعام والشّراب والجماع حتّى تموت، فإذا متّ دخلت الجنّة. فأعجبه ذلك، وكان لا يقطع أمرا دون هامان، وكان هامان غائبا، فقال فرعون: إنّ لي ذا أمر غائب، فاصبر حتّى يقدم. فلمّا قدم قال له فرعون يا هامان إنّ موسى دعاني إلى أمر فأعجبني-وأخبره بالّذي دعاه إليه-وأردت أن أقبل منه.

فقال هامان: قد كنت أرى أنّ لك عقلا، بينما أنت ربّ فتريد أن تكون مربوبا، وأنت تعبد فتريد أن تعبد؟.فغلبه على رأيه فأبى.

روي أنّ رجلا قرأ في مجلس يحيى بن معاذ: {(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً)} فبكى يحيى ابن معاذ وقال: (إلهي، هذا رفقك بمن يقول أنا إله، فكيف رفقك بمن يقول أنت إلهي، إنّ قول لا إله إلاّ الله يهدم كفر خمسين سنة).


(١) ينظر: معالم التنزيل: ص ٨١٩.
(٢) النازعات ١٨/-١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>