قوله تعالى:{لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى}(٤٤)؛أي يتّعظ أو يخشى العاقبة، وكلمة (لعلّ) للترجّي والطمع؛ أي اذهبا على رجائكما وطمعكما وأنا عالم بما يفعل، فإن قيل: كيف قال {(لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ)} وعلمه سابق في فرعون أنه لا يؤمن، ولا يتذكر ولا يخشى؟ قيل: هذا مصروف إلى غير فرعون، تقديره: لكي يتذكر متذكر ويخشى خاش إذا رأى برئ، وألطافي بمن خلقته ورزقته وصحّحت جسمه وأنعمت عليه، ثم ادّعى الربوبية دوني.
قال بعض العارفين في قوله تعالى: {(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً)}: (إذا كان هذا رفقك بمن ينافيك، فكيف رفقك بمن يصافيك؟ هذا رفقك بمن يعاديك، فكيف رفقك بمن يواليك؟ هذا رفقك بمن يسبّك، فكيف رفقك بمن يحبّك؟ هذا رفقك بمن يقول ندا فكيف بمن يقول فردا؟ هذا رفقك بمن ضلّ، فكيف رفقك بمن زلّ؟ هذا رفقك بمن اقترف، فكيف رفقك بمن اعترف؟ هذا رفقك بمن أصرّ، فكيف رفقك بمن أقرّ؟ هذا رفقك بمن استكبر، فكيف رفقك بمن استغفر؟).
وعن وهب بن منبه قال:(أوحى الله إلى موسى: انطلق إلى فرعون برسالتي، فمعك نظري وأنت جند عظيم من جنودي، بعثتك إلى خلق ضعيف قد عزّته الدنيا حتى كفر وأقسم بعزي لولا اتخاذ الحجّة عليه والعذر إليه لبطشت به بطشة جبار يغضب لغضبه السّماوات والأرض، فإن أذن للسّماء صعقته، وللأرض ابتلعته، وللجبال دمّرته، وللبحار أغرقته، ولكنه وسعه حلمي، فبلّغه رسالتي وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لا يغرّ بك فألبسه من لباس الدّنيا، فأجب ربك الذي هو واسع المغفرة، أنه قد أمهلك منذ خمسمائة سنة لم تهرم ولم تسقم ولم تفتقر، واعلم أنّ أفضل ما تزين به العباد الزهد في الدنيا، ومن أهان وليّا فقد بارزني بالمحاربة).
قوله تعالى:{قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى}(٤٥) معناه: قال موسى وهارون: ربّنا إنّنا نخاف أن يفرط علينا، قال ابن عبّاس:(يعجّل والعقوبة)(١)،وقيل: تغليب أو أن يطغى بتكبّر ويستعصي علينا، ويقال: فرّط علينا فلان إذا أعجل بمكروه، وفرّط منه أمري بدر وسبق.
(١) في الدر المنثور: ج ٥ ص ٥٨٠؛ عزاه السيوطي لابن أبي حاتم. وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: ج ٧ ص ٢٤٢٤.