للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ} (١٣)؛يقال لهم ذلك على طريق الهزؤ بهم وهو توبيخ في الحقيقة، والمعنى: لكي تسألوا شيئا من دنياكم فأنتم أهل برّ ونعمة،

ف‍ {قالُوا} عند ذلك: {يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ} (١٤)؛لأنفسنا حيث كذبنا الرّسل، اعترفوا بالذنب حين رأوا العذاب، فقالوا هذا على سبيل النّدم، ولم ينفعهم حينئذ الندم. والويل: الوقوع في الهلكة.

قوله تعالى: {فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ} (١٥)؛أي فما زالت تلك الكلمة وهو قولهم: {(يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ)} لم يزالوا يردّدونها إلى أن ماتوا وخمدوا فصاروا كالزّرع الحصيد، والحصيد: هو الزّرع المحصود، والمخمود: وهو المهمود كخمود النّار إذا أطفيت.

قيل: نزلت هذه الآية في أهل خضور (١) وهي قرية من اليمن كان أهلها من العرب، بعث الله إليهم نبيّا يدعوهم إلى الله فكذبوه وقتلوه، فسلّط الله بخت نصّر حتى قتلهم وسباهم ونكّل بهم، فلما أتخن فيهم القتل ندموا وهربوا وانهزموا، فقالت لهم الملائكة على طريق الاستهزاء: لا تركضوا وارجعوا إلى مساكنكم وأموالكم، فاتّبعهم بخت نصّر وأخذتهم السيوف، ونادى مناد من السّماء: يا ثارات الأنبياء، فلمّا رأوا ذلك أقرّوا بالذنوب حيث لم ينفعهم، فقالوا: يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين، فما زالت تلك دعواهم حتّى جعلناهم حصيدا بالسّيوف، كما يحصد الزرع، خامدين أي ميّتين.

قوله تعالى: {وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ} (١٦)؛أي ما خلقناهما عبثا ولا باطلا بل خلقناهما لأمر؛ أي لأجازي أوليائي، وأعذّب أعدائي. وقيل: معناه: خلقناهما دلالة على قدرتنا ووحدانيّتنا؛ ليعتبروا بخلقهما ويتفكّروا فيهما، فيعلمون أن العبادة لا تكون إلاّ لخالقهما.

قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا؛} قال قتادة:

(اللهو بلغة اليمن المرأة) (٢)،وقال ابن عبّاس: (يريد النّساء)،وقيل: جاء طاوس


(١) وتروى: خاضوراء بالألف الممدودة.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٨٤٩٥).وابن أبي حاتم في التفسير: النص (١٣٦١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>