للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ؛} أي يصلّون لله تعالى الليل والنهار، {لا يَفْتُرُونَ} (٢٠)؛أي لا يضعفون عن عبادته ولا يملّون. وقيل: معناه:

ينزّهون الله، وإنّما يقولون سبحان الله لا يملّون. قال الزجّاج: (مجرى التّسبيح منهم كمجرى النّفس منّا، كما لا يشغلنا عن النّفس شيء فكذلك تسبيحهم دائم).

قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ} (٢١)؛استفهام بمعنى الإنكار؛ أي أعبد أهل مكة أصناما يحيون الموتى؟! وفيه تقريع لهم بأنّهم كاذبون أنّها آلهة، لأن الإله يحيي الموتى، وهي لا تحيي، فكيف يستحقّ العبادة؟ قيل:

معنى الآية: لم تتّخذون آلهة من الأرض، وأصنامهم كانت من الأرض؛ من أيّ شيء كانت، من خشب أو حجارة أو فضّة أو ذهب، هم ينشرون، أيحيون الموتى.

قوله تعالى: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا؛} لخربتا وهلك من فيهما، وعيّن صفة الآلهة؛ أي لو كان فيهما آلهة غير الله؛ أي لو كان في السّماء والأرض آلهة غير الله لما قامت السّماوات والأرض؛ لأنه لو أراد أحدهما اتّخاذ جسم في مكان، وأراد آخر اتّخاذ جسم آخر في ذلك المكان لم يخل: إما أن يوجد مرادهما أو لا يوجد مرادهما، أو يوجد مراد أحدهما دون الآخر.

فالأول باطل؛ لأن في ذلك وجود جسمين في مكان واحد. والثاني باطل؛ لأنّ في ذلك كونهما عاجزين، والعاجز لا يستحقّ الألوهيّة، وإن وجد مراد أحدهما دون الآخر، فالذي لا يوجد مراده يكون عاجزا لا يصلح أن يكون إلها.

والمعنى: لو كان فيهما آلهة غير الله كما يزعم المشركون، هذا قول جميع النحويّين؛ قالوا: {(إِلاَّ)} ليس هاهنا باستثناء، ولكنه مع ما بعده صفة للآلهة في معنى (غير) (١).قال الزجّاج (٢): (فلذلك ارتفع ما بعدها على لفظ الّذي قبلها (٣)،قال


(١) والمعنى: أنه قد يقع الوصف ب‍ (إِلاَّ) كما وقع الاستثناء ب‍ (غير)،والأصل في (إِلاَّ) الاستثناء، وفي (غير) الصفة. ثم قد يحمل أحدهما على الآخر، فيوصف ب‍ (إِلاَّ) ويستثنى ب‍ (غير).
(٢) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٣ ص ٣١٥.
(٣) قال الزمخشري: (واعلم أن (إلاّ) و (غير) يتقارضان) يعني أن كل واحد منهما يستعير من الآخر حكما هو اختص به؛ وذلك أن (غير) اسم تعمل فيه العوامل، فيجوز أن يقام مقام- الموصوف.-ينظر: شرح المفصل لابن الحاجب: ج ١ ص ٣٦٩ - ٣٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>