للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (٢٧)؛أي من بلدان شتّى، من كلّ طريق بعيد، يقال عميقة إذا كانت بعيدة القرار. وإنّما قال {(يَأْتِينَ)}؛لأنه في معنى الجمع، وقيل: معناه: وعلى ناقة ضامرة.

وعن بشر بن محمّد قال: رأيت في الطّواف كهلا قد أجهدته العبادة، واصفرّ لونه، وبيده عصا وهو يطوف معتمدا عليها، فتقدّمت إليه لأسأله، فقال لي: من أين أنت؟ فقلت: من خراسان، قال: من أيّ ناحية هي؟ قلت: من نواحي المشرق، فقال لي: في كم تقطعون هذا الطريق؟ قلت: شهرين أو ثلاثة، قال: أفلا تحجّون في كلّ عام وأنتم جيران البيت؟ قلت: وأنتم كم بينكم وبين هذا البيت؟ فقال: مسيرة خمس سنين، فقلت: والله إن هذا الجهد لبيّن، والطاعة الجميلة والمحبة الصادقة، فضحك في وجهي وأنشأ يقول:

زر من هويت وإن شطت بك الدار ... وحال من زرته حجب وأستار

لا يمنعنّك بعدا من زيارته ... إنّ المحبّ لمن يهواه زوّار

وقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ؛} أي ليشهدوا ما ندبهم الله إليه مما لهم فيه نفع آخرتهم، ويدخل في ذلك منافع الدّنيا من التجارة بيعا ورخصة. قال ابن جبير: (يعني بالمنافع التّجارة)،وقال مجاهد: (هي التّجارة وما يرضي الله من أمر الدّنيا والآخرة) (١).

وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول إذا وقف بعرفة: (اللهمّ إنّك دعوت إلى حجّ بيتك، وذكرت المنفعة على شهود مناسكك، وقد جئتك فاجعل منفعة ما تنفعني به أن تؤتيني في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وأن تقيني عذاب النّار).

قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ؛} قال الحسن: (الأيّام المعلومات العشر، والأيّام المعدودات


(٢) -والكبير بنحوه وفيه قصة. وله عند البزار إسنادان أحدهما فيه كذاب والآخر فيه إسماعيل بن إبراهيم عن سعيد بن جبير ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات).
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٨٩٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>