للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلاّ قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر: نعم يا رسول الله؛ اقض بيننا بكتاب الله، فقال صلّى الله عليه وسلّم: [قل] قال: إنّ ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته، وإنّي أخبرت أنّ على ابني الرّجم، فافتديته بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنّ على ابني مائة جلدة وتغريب عام، وأنّ على امرأة هذا الرّجم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: [والّذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم ردّ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها] قال: فغدا عليها، فاعترفت؛ فأمر بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجمت (١).

قوله تعالى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ؛} أي لا تأخذكم بهما رأفة ورحمة يمنع عن إقامة الحدّ، ويحلّ بمقدار عدده وصفته، فإنه ليس من صفات المؤمنين تضييع حدود الله، وقوله تعالى: {(فِي دِينِ اللهِ)،} قال ابن عبّاس: (في حكم الله) كقوله {فِي دِينِ الْمَلِكِ} (٢) أي في حكمه، {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ،} ولا تعطّلوا الحدود. قرأ ابن كثير «(رأفة)» بفتح الهمزة. وإنّما ذكر الضّرب بلفظ الجلد لئلاّ يبرّح ولا يبلغ به اللحم.

واختلف العلماء في قوله {(وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ)} فقال قوم: معناه: ولا تأخذكم الرأفة بهما فتعطّلوا الحدود ولا تقيموها شفقة عليهما، وهو قول عطاء ومجاهد وقتادة وعكرمة وسعيد بن جبير والنخعي والشعبيّ. وقال الزهريّ وسعيد بن المسيّب والحسن: (معناه: اجتهدوا في الجلد ولا تخفّفوا كما يخفّف في حدّ الشّرب، بل يوجع الزّاني ضربا، ولا يخفّف رأفة له، كأنّه قال: لا تأخذكم بهما فتخفّفوا الضّرب، بل أوجعوهما ضربا) (٣).

قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (٢)؛أي ليكن إقامة الحدّ عليهما بحضرة جماعة من المؤمنين ليستفيض الخبر بهما، ويبلّغ الشاهد


(١) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الشروط: الحديث (٢٧٢٤).ومسلم في الصحيح: كتاب الحدود: الحديث (١٦٩٧/ ٢٥ - ١٦٩٨).
(٢) يوسف ٧٦/.
(٣) جامع البيان: الآثار (١٩٤٦٠ - ١٩٤٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>