للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {(أَنْ عَبَّدْتَ)} في موضعها وجهان؛ أحدهما: النصب بنزع الخافض، والثاني: الرفع على البدل من (نعمتي) (١).

قوله تعالى: {قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ} (٢٣)؛أي قال له فرعون:

وما ربّ العالمين؟ أي قال له فرعون: أيّ شيء ربّ العالمين الذي تدعوني إليه،

{قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} (٢٤)؛بأنّ المستحقّ للربوبيّة من يكون هذه صفته، وأنّ هذه الأشياء التي ذكرت ليست من فعلكم.

فلما قال موسى ذلك تحيّر فرعون ولم يردّ جوابا ينقض به هذا القول.

{قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ} (٢٥)؛مقالة موسى؟!

و {قالَ} موسى:

{رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} (٢٦)؛بيّن أنّ المستحقّ للربوبية من هو ربّ أهل كلّ عصر وزمان؛ أي الذي خلق آباءكم الأوّلين، وخلقكم من آبائكم.

فلم يقدر فرعون على جوابه، ف‍

{قالَ} فرعون لجلسائه: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} (٢٧)؛أي ما هذا بكلام صحيح إذ يزعم أن له إلها غيري.

فلم يشتغل موسى بالجواب عن ما نسبه إليه من الجنون، ولكن اشتغل بتأكيد الحجّة والزّيادة،

{قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (٢٨)؛ توحيد الله، فإن كنتم ذوي عقول لم يخف عليكم ما أقول.

فلم يجبه فرعون بشيء ينقض حجّته، بل هدّده

و {قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} (٢٩)؛أي لأحبسنّك مع من حبسته في السّجن. ظنّ بجهله أن يخافه ويترك عبادة الله ويتخذ فرعون إلها. وكان سجن فرعون أشدّ من القتل؛ لأنه كان إذا حبس الرجل طرحه في مكان وحده لا يسمع فيه شيئا، ولا يبصر فيه شيئا، وكان يهوي به في الأرض.

و {قالَ} موسى لفرعون حين توعّده بالسّجن: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} (٣٠)؛يعني لو جئتك بأمر ظاهر تعرف فيه صدقي وكذبك.

و {قالَ؛} فرعون على وجه التهزئة: {قالَ فَأْتِ بِهِ}


(١) ينظر: معاني القرآن للفراء: ج ٢ ص ٢٧٩.وإعراب القرآن للنحاس: ج ٣ ص ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>