للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْبُدُونِ} (٥٦)؛قال مقاتل: (نزلت في ضعفاء مسلمي مكّة، تقول: إن كنتم في ضيق بمكّة من إظهار الإيمان) (١) فاخرجوا منها وأمروا بالهجرة من الموضع الّذي لا يمكنهم فيه من عبادة الله، وكذلك يجب على كلّ بلد، من كان في بلد فعمل فيها بالمعاصي، ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث يتهيّأ له أن يعبد الله حقّ عبادته.

ثم خوّفهم بالموت لتهون عليهم الهجرة؛ فقال:

{كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ؛} أي كلّ أحد ميّت أينما كان، فلا تقيموا بدار الشّرك خوفا من الموت، {ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ} (٥٧)،بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم. وقال سعيد بن جبير: (معنى الآية: إذا عمل في أرض بالمعاصي فاخرجوا منها، فإنّ أرضي واسعة) (٢)،وقال عطاء: (إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا منها، فإنّ أرض الله واسعة) (٣)،وقال مجاهد:

(إنّ أرضي واسعة فهاجروا وجاهدوا) (٤).

وقال الكلبيّ: (نزلت في المستضعفين من المؤمنين الّذين كانوا بمكّة لا يقدرون على إظهار الإيمان وعبادة الرّحمن، فحثّهم على الهجرة إلى المدينة، فشقّ عليهم وقالوا: كيف يكون حالنا إذا انتقلنا إلى دار الغربة وليس بها أحد يعرفنا فيواسينا، ولا نعرف وجوه الاكتساب فيها، فقطع الله عذرهم بهذه الآيات).

ومعناها: إنّ أرضي واسعة آمنة، وقيل: {(واسِعَةٌ)} أي رزقي لكم واسع، فاخرجوا من هذه الأرض التي أنتم فيها. وعن الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنّة، وكان رفيق إبراهيم ومحمّد عليهما السّلام] (٥).


(١) قاله مقاتل في التفسير: ج ٢ ص ٥٢٣.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢١٢٠٥).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢١٢٠٦).
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢١٢٠٧).
(٥) ذكره الزمخشري في الكشاف: ج ٣ ص ٤٤٦،وقد تقدم في النساء، وهو من مراسيل الحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>