للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم ذكر ثواب من هاجر، فقال:

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ؛} يعني المهاجرين، {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ؛} قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: (لنسكننّهم غرف الدّرّة والزّبرجد والياقوت، ولننزلنّهم قصور الجنّة)،وقرأ حمزة والكسائيّ: «(لنثوينّهم)» يقال: ثوى الرجل إذا أقام، وأثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه، والمعنى: والذين آمنوا لننزلنّهم من الجنّة غرفا عوالي تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، {خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ} (٥٨)؛لله.

ثم وصفهم فقال: {الَّذِينَ صَبَرُوا؛} أي على دينهم فلم يتركوه لشدّة لحقتهم، {وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (٥٩)؛قال ابن عبّاس: (وذلك أنّ المهاجرين توكّلوا على الله وتركوا دورهم وأموالهم).وقيل: معناه: {(وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)} في أرزاقهم وجهاد أعدائهم ومهمّات أمورهم.

قال مقاتل: (إنّ أحدهم كان يقول بمكّة: كيف أهاجر إلى المدينة وليس لي بها مال ولا معيشة) (١).

فقال الله عزّ وجلّ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا؛} أي وكم من دابّة في الأرض؛ وهي كلّ حيوان يدبّ على الأرض مما يعقل ومما لا يعقل.

والمعنى: كم من نفس دابّة لا تحمل رزقها؛ أي لا ترفع رزقها معها ولا تدّخر شيئا لغد، {اللهُ يَرْزُقُها؛} حيث توجّهت، {وَإِيّاكُمْ؛} يرزقكم إن أخرجتم إلى المدينة، وإن لم يكن لكم زاد ولا نفقة. قال سفيان: (وليس شيء ممّا يخبئ ويدّخر إلاّ الإنسان والفأر والنّملة والغراب على ما قيل) (٢).

وقيل: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال للمؤمنين الّذين كانوا بمكّة وقد آذاهم المشركون: [أخرجوا إلى المدينة وهاجروا، ولا تجاوروا الظّلمة فيها] فقالوا: يا رسول الله! كيف نخرج إلى المدينة وليس لنا بها عقار ولا مال، فمن يطعمنا


(١) قاله مقاتل في التفسير: ج ٢ ص ٥٢٤.
(٢) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ج ١٣ ص ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>