للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يريد بقوله: لأوجل؛ أي وجل، وقال أيضا (١):

إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا ... بيتا قوائمه أعزّ وأطول

أي عزيزة طويلة. وإنّما قيل على هذا التأويل؛ لأنه لا يجوز أن يكون بعض الأشياء على الله أهون من بعض.

قوله تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؛} أي له الصّفة العليا وهي القدرة التي لا يجري عليها العجز، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (٢٧)؛أي القاهر لكلّ شيء، الحكيم في جميع أفعاله.

قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ؛} أي وصف لكم أيّها المشركون مثلا من أنفسكم، وبيّن لكم ذلك المثل من أنفسكم، ثم بيّنه فقال: {هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ،} أي هل لكم من عبيدكم وإمائكم من شركاء فيما رزقناكم من الأموال؛ أي هل يشاركونكم في أموالكم فتكونوا أنتم مع عبيدكم سواء فيما أعطيناكم، {فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ،} أي تخافون عبيدكم أن يقاسموكم في مالكم كما تخافون نساءكم وأقاربكم أن يورثوكم بعدكم، أو تخافوا لائمة عبيدكم إذا لم تعطوهم حقّهم، كما تخافون لائمة بعضكم بعضا من الأقارب والشّركاء إذا لم يؤدّوا حقّهم إليهم.

قالوا: لا! فقال: أفترضون لله تعالى ما لا ترضون لأنفسكم، تشركون عبيد الله في ملكه، وقد خلقهم، ولا تشركون عبيدكم فيما رزقكم الله وأنتم لم تخلقوهم، وتجعلون الخوف من عبيد الله كالخوف من الله إذ تعبدونهم كعبادة الله تعالى، {كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (٢٨)؛أي هكذا يبيّن الآيات واحدة بعد واحدة ليكون ذلك أقرب إلى الفهم وواقع في القلب.

ومعنى {(أَنْفُسِكُمْ)} هاهنا: أمثالكم من الأحرار، كقوله {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} (٢).ومعنى الآية: كيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها لي شركاء


(١) البيت للفرزدق كما في جامع البيان: مج ١١ ج ٢٠ ص ٤٥.وينظر: الديوان، طبعة القاهرة: ص ٧١٤.
(٢) الحجرات ١١/.

<<  <  ج: ص:  >  >>