للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هلكت الخفّ والحافر (١) وأخلفتنا بنو قريظة، وهذه الرّيح لا يستمسك لنا معها شيء، ولا تثبت لنا نار ولا تطمئنّ قدر. ثمّ عجّل فركب راحلته، وإنّها لمعقولة ما حلّ عقالها إلاّ بعد ما ركبها.

فقال حذيفة: فقلت في نفسي: لو رميت عدوّ الله فكنت قد صنعت شيئا، فأوترت قوسي وأنا أريد أن أرميه، ثمّ ذكرت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [ولا تحدثنّ شيئا حتّى ترجع].فحططت القوس ثمّ رجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلّي، فلمّا فرغ قال: [ما الخبر؟] فأخبرته بذلك، فضحك حتّى بدت أنيابه في سواد اللّيل. ثمّ أدناني منه وبي من البرد ما أجده، فألقى عليّ طرف ثوبه، وألزق صدري ببطن قدميه وهو قائم يصلّي) (٢).

قوله تعالى: {إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ} أي مالت عن كلّ شيء، فلم تنظر إلاّ إلى عدوّها مقبلا من كلّ جانب، {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ،} والحنجرة جوف الحلق. قال قتادة: (شخصت القلوب من مكانها، فلولا أنّه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت).

وقوله تعالى: {(وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها} يعني الملائكة، بعث الله ملائكة على المشركين فقلعت أوتاد الخيل وأطناب الفساطيط، وأطفأت النيران وجالت الخيل بعضها في بعض، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى وقع بهم الرعب فانهزموا من غير قتال.

قوله تعالى: {إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ،} أي من فوق الوادي من قبل المشرق عليهم مالك بن عوف البصري، وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان، {(وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)}،يعني من قبل المغرب فيهم أبو سفيان في قريش ومن تبعه، وأبو الأعور السّلمي من قبل الخندق.


(١) الخفّ: واحد أخفاف البعير. والحافر حافر الفرس. والمراد هنا الإبل والخيل.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (٢١٦١٦).ومسلم في الصحيح: كتاب الجهاد والسير: باب غزوة الأحزاب: الحديث (١٧٨٨/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>