للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتّناوش هو التّناول، نشته أنوشه نوشا، إذا تناوله، كأنّه قال: وأنّى لهم التوبة.

وقيل: ما يتمنّون. قال ابن عبّاس: (يتمنّون الرّدّ حين لا ردّ) (١).

قرأ أبو عمرو والأعمش وحمزة والكسائيّ وخلف: «(التّناؤش)» بالمدّ والهمزة، وهو الإبطاء والبعد؛ أي من أين لهم أن يتحرّكوا فيما لا حيلة لهم فيه. يقال: أنشت الشّيء؛ إذا أخذته من بعيد، والنّيش: الشيء البطيء. وقرأ الباقون بغير همزة من التّناول، يقال: نشته إذا تناولته، وتناوش القوم في الحرب إذا تدانوا وتناول بعضهم بعضا.

واختار أبو عبيد ترك الهمز؛ لأنه قال: (معناه من التّناول، فإذا همز كان معناه البعد فكيف يقول: {أَنّى لَهُمُ} البعد من مكان بعيد) (٢).قوله تعالى: {(مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)} يعني أنّهم يريدون أن يتناولوا التوبة، وقد صاروا في الآخرة، وإنّما تقبل التوبة «في الدنيا» (٣) وقد ذهبت الدّنيا فصارت بعيدا من الآخرة.

قوله تعالى: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ؛} أي كانوا كافرين بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن في الدّنيا قبل ما عاينوا من العذاب وأهوال (٤) القيامة. قوله تعالى:

{وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} (٥٣)؛أي ينسبون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم إلى السّحر والجنون والكهانة رجما منهم بالغيب والقذف. والرّجم بالغيب: أن يلفظ الإنسان شيئا لا يتحقّق، ومنه سمّي الرمي بالفاحشة قذفا.

ومعنى قوله تعالى {(بِالْغَيْبِ)} أن يقذفون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالظّنّ لا باليقين، والغيب على هذا الظّنّ، وهو ما غاب علمه عنهم (٥).وقوله تعالى {(مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)} يعني


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٢٠٩٢).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٤ ص ٣١٦؛ قال القرطبي: (وأبو عبيد يستبعد هذه القراءة؛ لأن (التّناؤش) بالهمز البعد، فكيف يكون البعد، وأنى لهم البعد من مكان بعيد) نقله عن النحاس، وهو في إعراب القرآن: ج ٣ ص ٢٤٢.
(٣) ما بين «» سقط من المخطوط.
(٤) في المخطوط تحريف العبارة، رسم الناسخ: (قبل ما عاينوا من أهل ال‍ اليوم القيامة).
(٥) في المخطوط تحريف العبارة، رسم الناسخ: (ما غاب عليه عنهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>