قوله تعالى:{ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ؛} أي قالوا: ما سمعنا بهذا الذي يقوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم من التّوحيد في الملّة الآخرة، يعنون النّصرانية؛ لأنّها آخر الملل، والنصارى لا توحّد بأنّهم يقولون: ثالث ثلاثة. {إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ}(٧)؛أي قالوا: ما هذا الذي يقوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم إلاّ كذب اختلقه من تلقاء نفسه، يعنون الذي جاء به من التوحيد والقرآن.
قوله تعالى:{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا؛} أي قال المشركون: اختصّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالنّبوة والكتاب من بيننا، ونحن أكبر منه سنّا وأعظم شرفا! والمعنى بالذّكر القرآن.
يقول الله تعالى:{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي؛} أي يقولون ما يعتقدونه إلاّ شاكّين، {بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ}(٨)؛الاستئصال، وهذا تهديد لهم، أي أنّهم سيذوقوا العذاب ثم لا ينتفعون بزوال الشّكّ في ذلك الوقت.
قوله تعالى:{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهّابِ}(٩)؛ معناه: عندهم خزائن رحمة ربك؛ أي بأيديهم مفاتيح النّبوة والرّسالة فيضعونها حيث شاءوا. وقيل: معناه: عندهم خزائن رحمة ربك فيمنعونك ما منّ الله به عليك من الكرامة وفضّلك به من الرّسالة. ومعنى الآية: ليس ذلك بأيديهم ولكنه بيد العزيز في ملكه، الوهّاب الذي وهب النبوّة لك.
قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ}(١٠)؛وذلك أنّهم كانوا يحسدون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على ما خصّ به من النبوّة والوحي، فقال الله تعالى: {(أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)} فينازعوا خالقهم، وينزّل الوحي على من يختار، فقال لهم: {(فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ)} أي فليصعد في طوق السّماوات من سماء إلى سماء، فليمنع الوحي عنك إن كان لهم مقدرة على ذلك.
قوله تعالى:{جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ}(١١)؛أخبر الله تعالى نبيّه أنه سيهزم جند المشركين ببدر، و {(جُنْدٌ)} خبر مبتدأ محذوف؛ أي هم جند، و {(ما)} زائدة، و {(هُنالِكَ)} إشارة إلى بدل ومصارعهم بها و {(الْأَحْزابِ)} سائر من تقدّمهم