قوله تعالى:{فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ؛} أي فلذلك الذي سبق ذكره، يعني الذي وصّى به الأنبياء من التوحيد فادع. وقيل: معناه:
فلأجل ما وقع منهم من الشكّ فادع واستقم على دين الإسلام كما أمرت، ولا تتّبع أهواء أهل الكتاب، وذلك أنّهم دعوا إلى دينهم، {وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ؛} أي آمنت بكتب الله كلّها. وإنما قال ذلك لأنّ الذين تفرّقوا آمنوا ببعض الكتب دون بعض. وقوله تعالى:{وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ؛} أي أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم في الأحكام.
وقوله تعالى:{اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ؛} أي إلهنا وإلهكم وإن اختلفت أعمالنا، وكلّ يجازى بما عمل. قوله تعالى:{لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ؛} لنا جزاء أعمالنا ولكم جزاء أعمالكم، لا يؤاخذ أحد بعمل غيره، قوله تعالى:{لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ؛} أي قد ظهر الحقّ وسقط الباطل، ومع ذلك الحجّة لنا عليكم لظهورها، وقوله تعالى:{اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا؛} وبينكم في الآخرة فيجازي كلاّ بعمله، {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}(١٥).
قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ؛} أي والذين يخاصمون في دين الله من بعد ظهور دلائله، وهم اليهود والنصارى قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبيّنا قبل نبيّكم، فنحن خير منكم! فهذه خصومتهم وإنما قصدوا بما قالوا دفع ما أتى به محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وقوله تعالى: {(مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ)} أي من بعد ما دخل الناس في الإسلام وأجابوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى ما دعاهم إليه، {حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ؛} أي خصومتهم باطلة حين زعموا أن دينهم أفضل من الإسلام، وقوله {(عِنْدَ رَبِّهِمْ)} أي في حكم ربهم، وإنما قال ذلك لأنّها لم «تكن»(١) باطلة في زعمهم، {وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ؛} من الله، {وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ}(١٦) في الآخرة.