للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن زيد: (جعل الله المؤمنين صنفين: صنف يعفون عمّن ظلمهم، فبدأ بذكرهم فقال: {(وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)}.وصنف ينتصرون ممّن ظلمهم، وهم الّذين ذكروا في هذه الآية، ومن انتصر فأخذ حقّه ولم يجاوز في ذلك ما حدّ الله فهو مطيع لله، ومن أطاع الله فهو محمود).

ثم اعلم: أن أوّل هذه الآية يقتضي أنّ الاقتصار بأخذ الواجب من القصاص أو نحوه أفضل؛ لأن الله تعالى عطف هذه الآية على الآية التي ذكر فيها الاستجابة لله تعالى وإقام الصّلاة.

وتكلّموا في معنى ذلك، قال بعضهم: أراد به الانتصار ممّن فارقهم في دينهم، فأما من المسلمين فالانتصار مباح، كما قال {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} (١) والعفو أفضل، كما قال تعالى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} (٢)،وقال تعالى: {فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ} (٣).

وقال بعضهم: إذا كان العفو يؤدّي إلى الإخلال بشيء من حقوق الله مثل العفو عن الفاسق الذي لا يرتدع، والعفو عن الباغي الذي لا يكون مصرّا على قصده، فالانتصار أولى من العفو، وإذا كان العفو لا يؤدّي الى إسقاط شيء من حقوق الله تعالى فالعفو أفضل كما قال تعالى في آية القصاص {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ} (٤).وفي بعض التّفاسير: إنما جعل الانتصار في أوّل هذه الآيات أفضل لأنّهم كانوا يكرهون أن يذلّلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفسّاق.

قوله تعالى: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها؛} فيه بيان أنه لا تجوز الزيادة على السّيئة الأولى، وإنما سميت الثانية سيئة لأنّها في مقابلة الأولى، والأولى سيّئة لفظا ومعنى، والثانية سيئة لفظا لا معنى، وسميت بهذا الاسم لأن مجازاة السّوء لا تكون إلاّ بمثله، قال مقاتل: (معنى هذه الآية في القصاص في الجراحات والدّماء) (٥).


(١) الشورى ٤١/.
(٢) البقرة ٢٣٧/.
(٣) الشورى ٤٠/.
(٤) المائدة ٤٥/.
(٥) بمعناه قاله مقاتل في التفسير: ج ٣ ص ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>