قوله تعالى:{قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ؛} أي ما أنا أوّل رسول أرسل إلى الناس، قد بعث قبلي كثر من الرّسل. والبديع من كلّ شيء المبتدع، {وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ؛} أيتركني بمكّة أو يخرجني منها أو يخرجكم. وقيل: معناه: لا أدري أموت أم أقتل، ولا أدري أيّها المكذّبون أترمون بالحجارة من السّماء أو يخسف بكم.
وهذا إنّما هو في الدّنيا، فأمّا في الآخرة فقد علم أنه في الجنّة، وأنّ من كذبه في النار، ألا تراه يقول:{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ؛} وقد أوحي إليه ما يصير إليه الكافر والمؤمن في الآخرة. وقيل: معناه: وما أدري ماذا أومر به في الكفّار من حرب أو سلم، وما أدري ماذا يفعل الله بهم أيعاجلهم الله بالعقوبة أو يؤخّرها عنهم.
قوله تعالى: {(إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ)} أي ما أتّبع إلاّ القرآن ولا أبتدع من عندي شيئا، {وَما أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ}(٩)؛أي أنذركم وأبيّن لكم الشرائع.
قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ؛} ثم اختلفوا، والمراد بشاهد في هذه الآية فقال من ذهب إلى أنّ هذه السّورة مكّية كلّها: أنّ المراد به يامين بن يامين، فإنّ عبد الله بن سلام ممّن أسلم بالمدينة، وهذا شاهد قدم بمكّة فآمن. وقيل: إنّ المراد بالشاهد موسى عليه السّلام كان من بني إسرائيل، وكان شهادته للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في التوراة من تصديق القرآن، ومثل القرآن هو التوراة (١).
وقال ابن عبّاس:(هو عبد الله بن سلام)،روي: أنّه قدم من الشّام، فأتى النّبيّ عليه السّلام ليلا وشهد أنّ نعته مكتوب في التّوراة فآمن به، ثم قال: أخبئني في البيت، ثمّ أحضر اليهود سلهم عنّي، فإنّهم سيذكرونني عندك ويخبرونك بمكاني من العلم.
ففعل ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واستخبر اليهود وقال لهم:[ما تقولون في عبد الله ابن سلام؟] فقالوا: عالمنا وابن عالمنا، وسيّدنا وابن سيّدنا، وبقيّة المتقدّمين منّا.
فقال صلّى الله عليه وسلّم:[أرأيتم إن آمن بي تؤمنوا أنتم؟] فقالوا: إنّه لا يفعل ذلك.
(١) بمعناه؛ قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٤ ص ٣٣٥.