للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول الله تعالى: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً؛} أي ويشهد للقرآن كتاب موسى قبله إمام يقتدى ونجاة من العذاب لمن آمن به، {وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ} وهذا القرآن مصدّق لما في التوراة. وقوله تعالى: {لِساناً عَرَبِيًّا؛} أي بلسان عربيّ تعقلونه. ويجوز أن يكون منصوبا على الحال، ويكون (لسانا) توكيدا، كما يقال: جاءني زيد رجلا صالحا، يريد: جاءني زيد صالحا، وقال الزجّاج: (قوله تعالى: (اماما) نصب على الحال) (١)؛تقديره: وتقدّمه كتاب موسى عليه السّلام إماما.

وفي الكلام محذوف تقديره: إماما ورحمة فلم يهتدوا به، يدل عليه قوله تعالى:

{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ} (٢) وذلك أنّ المشركين لم يهتدوا بالتوراة فيتركوا عبادة الأصنام ويعرفوا منه صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

ثم قال تعالى: {وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ؛} غير الكتب التي قبله {(لِساناً عَرَبِيًّا)} منصوب على الحال؛ أي مصدّق لما بين يديه عربيّا. ومعنى قوله تعالى {(كِتابُ مُوسى إِماماً)} أي يقتدى به؛ يعني التوراة، (ورحمة) من الله للمؤمنين به؛ قيل: القرآن.

وعن عروة عن أبيه (٣) قال: (كانت زنّيرة (٤) امرأة ضعيفة البصر، فلمّا أسلمت كان الأشراف من مشركي قريش يستهزءون بها ويقولون: والله لو كان ما جاء به محمّد خيرا ما سبقتنا إليه زنّيرة (٥).فأنزل الله تعالى فيها وفي أمثالها {(وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ)} أي أساطير الأوّلين) (٦).


(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٤ ص ٣٣٦.
(٢) الأحقاف ١١/.
(٣) في المخطوط: (عن زياد عن أبيه).
(٤) في المخطوط: (زيرة وزبيرة).
(٥) زنيرة، هي مولاة لأبي بكر، وهي أحد السبعة الذين كانوا يعذّبون في الله، اشتراها أبو بكر وأعتقها، وكانت مولاة لبني عبد الدار، فلما أسلمت عميت، فقال المشركون: أعمتها اللات والعزى لكفرها باللات والعزى، فردّ الله عليها بصرها. رواه هشام بن عمرة عن أبيه. ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ج ٤ ص ٤٠٦: الرقم (٣٣٨٨).
(٦) في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٦ ص ١٨٩؛ قال القرطبي: (قاله عروة بن الزبير).

<<  <  ج: ص:  >  >>