للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا؛} أي ولكلّ الفريقين من الكافرين والمؤمنين منازل مما عملوا، {وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (١٩)؛أي لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد في سيّئاتهم.

وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ؛} أي وأنذرهم يوم يعرض كفّار مكّة على النار ويقال لهم: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا؛} أي أذهبتم أموالكم، وقيل: قوّتكم وشبابكم في لذاتكم في الدّنيا، لا في طلب رضى الله، بل في وجوه محرّمة، وانتقصتم بطيّباتكم في الدّنيا، {وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها،} (ف‍) ليس لكم، {فَالْيَوْمَ،} ههنا حسنات، وإنما {تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ؛} أي الهوان الشديد باستكباركم في الأرض بالباطل، وخروجكم من أمر الله تعالى إلى المعصية.

وعن ابن عبّاس: أنّ عمر رضي الله عنه قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (أدع الله أن يوسّع على أمّتك، فقد وسّع الله على فارس والرّوم وهم لا يعبدون الله تعالى) فقال صلّى الله عليه وسلّم: [أوفي شكّ أنت يا ابن الخطّاب؟! أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في حياتهم الدّنيا] (١).

وروي: أنّ عمر رضي الله عنه قال: (دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت حفصة وإنّه لمضطجع على حصير، وإنّ بعضه لعلى التّراب، وتحت رأسه وسادة محشوّة ليفا، فسلّمت ثمّ جلست، فقلت: يا رسول الله؛ أنت نبيّ الله وصفوته وخيرته من خلقه، وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الدّيباج والحرير، فقال صلّى الله عليه وسلّم: [يا عمر؛ إنّ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم وهي وشيكة الانقطاع، وإنّا أخّرت لنا طيّباتنا]) (٢).

وعن سالم بن عبد الله بن عمر كان يقول: (والله ما نعبأ بلذات العيش بأن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا، ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا، ونأمر بالنّبيذ فينبذ لنا، حتّى إذا صار مثل عين يعقوب أكلنا هذا وشربنا هذا، ولكنّا أردنا أن نستبقي طيّباتنا


(١) أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب المظالم: باب الغرفة والعلية: الحديث (٢٤٦٨).ومسلم في الصحيح: كتاب الطلاق: باب في الولاء: الحديث (٣٤ و ١٤٧٩/ ٣٥).
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك: كتاب الأطعمة: باب ذكر معيشة النبي صلّى الله عليه وسلّم: الحديث (٧١٥٤)، وقال: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>