للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذمّ الله تعالى من يريد ذلك فقال تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ} (٢٣)؛فلا يسمعون الحقّ ولا يهتدون للرّشد، يعني المنافقين الذين يفسدون في الأرض، ويقطّعون أرحامهم، ونسبهم الله تعالى إلى الصّمم والعمى لإعراضهم عن أمر الله تعالى، وأمّا في مشاهدتهم فإنّهم لا يكونون صمّا ولا عميانا، ومثله قوله تعالى: {وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ} (١).

قوله: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ؛} فتعرفوا ما يوعدون للمتمسّك بالقرآن، {أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} (٢٤)؛يعني الطّبع على القلب، وهذا استعارة لإغلاق القلب عن معرفة الإسلام والقرآن، وكأنّ على قلوبهم أقفالا تمنعهم من الاستدلال.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى؛} قال قتادة: (هم كفّار أهل الكتاب، كفروا بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وهم يعرفونه ويجدون صفته في كتابهم، ونعته مكتوبا عندهم) (٢).فمعناه: إنّ الذين رجعوا كفّارا من بعد ما ظهر لهم أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بنعته وصفته في كتابهم، {الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ؛} أي زيّن لهم القبيح، {وَأَمْلى لَهُمْ} (٢٥)؛الله تعالى؛ أي أمهلهم موسّعا عليهم ليتمادوا في طغيانهم، ولم يعجّل عليهم بالعقوبة.

ويحسن الوقوف على قول: (سوّل لهم) لأنه فعل الشيطان، والإملاء فعل الله تعالى، وعلى قول الحسن: لا يحسن الوقوف؛ لأنّه يقال في تفسيره: {(وَأَمْلى لَهُمْ)}:مدّ لهم الشّيطان في العمل.

وقرأ أبو عمرو «(وأملي لهم)» على ما لم يسمّ فاعله، وهو حسن للفصل بين فعل الشّيطان وفعل الله تعالى، ونعلم يقينا أنّه لا يؤخّر أحد مدّة أحد ولا يوسّع فيها إلاّ الله تعالى. وقرأ مجاهد «(وأملي)» بضمّ الهمزة وإسكان الياء على معنى: وأنا أملي لهم.


(١) الأحقاف ٢٦/.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٤٣٠٨ و ٢٤٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>