قوله تعالى:{*يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ}(٣٣)؛أي أطيعوا الله في الفرائض وأطيعوا الرسول في السّنن، {(وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)} بالشّرك والربا، فإن الشرك يبطل العمل، قال الله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(١)،والرّياء يحبط العمل بالمعصية، وقيل: بالعجب. وقال عطاء:(بالشّكّ والنّفاق)،قال الحسن:(بالمعاصي والكبائر).
ويستدلّ بظاهر هذه الآية: على أنّ من شرع في قربة نحو الصلاة والصوم والحجّ، لم يجز له الخروج منها قبل إتمامها؛ لما فيه من إبطال عملها.
قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ}(٣٤)؛وإنما ذكر الموت على الكفر؛ لأن الكفار قبل الموت يفرض أن يؤمن فيغفر له، وإذا مات على كفره حبط عمله حبوطا لا يلحقه التدارك والتّلافي.
قوله تعالى:{فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ؛} أي لا تعطفوا عن قتال الكفّار وتدعوهم إلى الصّلح {(وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)} بما وعدكم الله من النصر في الدّنيا والثواب والكرامة في الأخرى. قال الزجّاج:(منع الله المسلمين أن يدعوا الكفّار إلى الصّلح وأمرهم بحربهم حتّى يسلموا)(٢) {(وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)} أي الغالبون.
قوله تعالى:{وَاللهُ مَعَكُمْ؛} أي بالعون والنّصرة على عدوّكم بثوابي حفظكم، {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ}(٣٥)؛أي لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم، وفي الآية دلالة على أنّه لا يجوز للإمام أن يدعوا الكفار إلى الصّلح، ولا أن يجيبهم إلى الصّلح في حال ما تكون الغلبة للمسلمين، فإنّ الواو في قوله: {(وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)} واو الحال، كما يقال: لا تسلّم على فلان وأنت راكب؛ أي في حال ما كنت راكبا.
(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٥ ص ١٤.