والمعنى: لا تقدّموا بقول ولا فعل حتى يكون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو الذي يأمركم في ذلك. وقيل: إنّ ناسا كانوا يقولون: لو أنّ الله تعالى أمر بكذا ونهى عن كذا، فقيل: لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله، فإنّ الله أعلم بصلاح خلقه.
وقرئ «(لا تقدّموا)» بفتح التاء والدال، فيجوز أن يكون معناهما واحدا، يقال:
قدّمت في كذا وتقدّمت فيه، كما يقال عجلت في الأمر وتعجّلت فيه بمعنى واحد، ويجوز أن يكون معنى الضمّ: لا تقدّموا كلامكم ولا فعلكم وما أنتم صانعون في أمر من الأمور قبل أن يأمركم الله ورسوله. ومعنى قراءة الفتح لا تقدّموا بأمر ولا فعل بحضرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتى يأمركم به.
وقيل: إنّها نزلت في قوم كانوا يحضرون مجلس النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا سئل الرسول عن شيء خاضوا فيه، وتقدّموا بالفتوى والقول، فنهوا عن ذلك وزجروا عن أن يقول أحد في شيء من دين الله قبل أن يقول رسول الله.
وقيل: معنى الآية: لا تمشوا بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك بين يدي العلماء؛ فإنّهم ورثة الأنبياء، ودليل هذا ما روي عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمشي أمام أبي بكر رضي الله عنه فقال: [أتمشي أمام من هو خير منك في الدّنيا والآخرة، ما طلعت الشّمس ولا غربت على أحد بعد النّبيّين والمرسلين خير من أبي بكر رضي الله عنه](١).
قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}(٢)؛ روي: أنّ رهطا من بني تميم قدموا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، منهم الأقرع بن حابس وعطارد ابن الحاجب والحارث بن عمرو وغيرهم، فقاموا على باب المسجد، فنادى الأقرع ابن حابس: يا محمّد أتأذن لي في الكلام؟ فو الله إنّ حمدي لزين وذمّي لشين، فقال صلّى الله عليه وسلّم:[كذبت! ذلكم الله تعالى].
(١) أخرجه الثعلبي في الكشف والبيان: ج ٩ ص ٧١ بإسناده، وفيه مجهول. ووصله الخطيب في تاريخ بغداد: ج ١٢ ص ٤٣٣: ترجمة (٦٩٠١).ووصله أبو نعيم من طريق آخر في حلية الأولياء: ج ١٠ ص ٣٠١ - ٣٠٢.