فلمّا سار إليهم خالد ليلا سمع فيهم الأذان والتّهجّد، فكفّ عنهم إلى أن دخل عليهم لا على وجه قتال، وقالوا: قد استبطأنا رسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الصّدقات، فسلّموها إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).
وسمّى الوليد بن عقبة فاسقا، لكذبه الذي وقع به. الأغرّ أو الفاسق: الخارج عن طاعة بارتكاب كثير من الذّنوب. وقيل: الفاسق الذي لا يستحي من الله. وقيل:
هو الكذاب المعلن بالذنب. والنّبأ: الخبر عمّا يعظم شأنه فيما يعمل عليه.
قوله تعالى:{فَتَبَيَّنُوا؛} قد ذكرنا قراءتين فيه في سورة النساء، قوله تعالى:
{أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ؛} أي لئلا تصيبوا قوما وهم مسلمون، {فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ}(٦).
قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} معناه: اعلموا أنّ رسول الله لو يجيبكم في كثير مما سألتموه لوقعتم في العنت وهو الإثم والمشقّة. وقيل: اتّقوا أن تكذبوا رسول الله وتقولوا باطلا، فإنّ الله يخبره فتفتضحوا، ثم قال: لو يطيعكم الرسول في كثير مما تخبرونه فيه بالباطل لعنتّم؛ أي لوقعتم في العنت وهو الإثم والهلاك.
ثم خاطب المؤمنين الذين لا يكذبون فقال:{وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ؛} أي جعله أحبّ الأديان إليكم، {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ؛} حتى اخترتموه، {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ؛} أي بغّض إليكم هذه الأشياء: الكفر ظاهر المعنى، والفسوق والكذب والخروج عن أمر الله، والعصيان: جمع معاصي الله.
ثم عاد إلى الخبر عنهم فقال:{أُولئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ}(٧)؛أي المهتدون إلى محاسن الأمور.
ثم بيّن أنّ جميع ذلك تفضّل من الله تعالى فقال:{فَضْلاً}
(١) في الدر المنثور: ج ٦ ص ٥٥٥؛ قال السيوطي: (أخرجه أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وابن مردويه بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي) وذكره. وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير: ج ١٠ ص ٣٣٠٣:الحديث (١٨٦٠٨).وفي مجمع الزوائد: ج ٧ ص ١٠٨ - ١١٠؛قال الهيثمي: (رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما يعقوب بن حميد بن كاسب وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات).