للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (٤)؛وذلك: أنّ قوما من بني العنبر وهم حيّ من تميم، بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم سريّة، وأمّر عليهم عيينة بن الحصين الفزاريّ، فهربوا فسبى ذراريهم ونساءهم وجاء بهم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجاء رجالهم ليفادوا ذراريهم، فدخلوا المدينة عند القيلولة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم نائم.

فلمّا أبصرهم العيال بكوا عليهم، فنهضوا وعجّلوا قبل أن يخرج إليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وجعلوا ينادون: يا محمّد اخرج إلينا، وكان صلّى الله عليه وسلّم حينئذ نائما، فتأذى بأصواتهم، ولم يعلموا في أيّ حجرة هو، فجعلوا يطرقون على جميع حجراته، وكان لكلّ امرأة من نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجرة وبيت، فطافوا على جميع الحجرات وهم ينادون:

اخرج علينا (١).

وقوله تعالى: {(أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)} وصفهم الله بالجهل وقلّة العقل وقلّة الصبر.

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ؛} يعني ولو أنّهم صبروا حتى تخرج إليهم للصّلاة لخلّى سبيلهم بغير فداء، فلما نادوه وأيقظوه أعتق نصف ذراريهم وفادى نصفهم بقوله تعالى {(وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا)} كنت تعتق كلّهم، {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٥)؛لمن تاب منهم.

قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ؛} وذلك: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث الوليد بن عقبة مصدّقا إلى بني المصطلق، وكان بينه وبينهم أحنة (٢)، فلمّا اتّصل خبره بهم وسمعوا به اجتمعوا ليتلقّوه، ففرّ منهم وكرّ راجعا إلى المدينة، وقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّهم قد منعوا الزّكاة وارتدّوا عن الإسلام وقصدوا قتلي.

فبعث إليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد في جيش، وقال له: [انزل بساحتهم ليلا، فإن رأيت ما يدلّ على الإسلام من الأذان للصّلاة والتّهجّد أمسك عن محاربتهم، وطالبهم بصدقاتهم].


(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل: ص ١٢١٩.
(٢) الأحنة: الحقد في الصّدر، والجمع: حنّات، والمواحنة: المعاداة. ينظر: لسان العرب: ج ١ ص ٨٣: (أحن).

<<  <  ج: ص:  >  >>