للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

] فأنزل الله هذه الآية {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)} (١) {وَلا تَجَسَّسُوا؛} والظنّ الذي هو الإثم: أن يعرض بقلب الإنسان في أخيه ما يوجب الريبة فيحقّقه من غير سبب يوجبه، كما روي في الخبر: [إيّاكم والظّنّ، فإنّ الظّنّ أكذب الحديث] (٢).

وقوله تعالى {(وَلا تَجَسَّسُوا)} التّجسّس: البحث عن عيب أخيه الذي ستره الله عليه. ومعنى الآية: خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله ولا تتّبعوا عورات الناس، قال صلّى الله عليه وسلّم: [لا تجسّسوا؛ ولا تحاسدوا؛ ولا تباغضوا؛ ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا] (٣).

وروي: أنّ رجلا جاء إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال له: (إنّ فلانا يواظب على شرب الخمر، فقال له: إذا علمته يشربها فأعلمني. فأعلمه فذهب معه حتّى انتهى إلى داره، فدخل عليه وقال: أنت الّذي تشرب الخمر؟ فقال: وأنت تتجسّس عيوب المسلمين؟ فقال عمر: تبت أن لا أعود، فقال الرّجل: وأنا تبت لا أعود) (٤).

وروى زيد بن أسلم: (أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه خرج ذات ليلة ومعه عبد الرّحمن بن عوف إذ شبّت لهما نار، فأتيا الباب فاستأذنا ففتح لهما فدخلا، فإذا رجل وامراة تغنّي وعلى يد الرّجل قدح، فقال عمر للرّجل: وأنت بهذا يا فلان؟ فقال: وأنت بهذا يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: من هذه معك؟ قال: امرأتي، قال:

وفي القدح؟ قال: ماء زلال، فقال للمرأة: وما الّذي تغنّين؟ فقالت: أقول:

تطاول هذا اللّيل واسودّ جانبه ... وأرّقني أن لا حبيب ألاعبه

فو الله لولا خشية الله والتّقى ... لزعزع من هذا السّرير جوانبه


(١) في الدر المنثور: ج ٧ ص ٥٧٠؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي عن سلمان).
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الأدب: الحديث (٦٠٦٦).
(٣) تقدم في الرقم السابق.
(٤) في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٦ ص ٣٣٣؛ قال القرطبي: (وقال أبو قلابة) وذكر القصة وأن الرجل أبو محجن الثقفي. والحديث أخرجه عبد الرزاق في المصنف: كتاب اللقطة: باب التجسس: الحديث (١٩٨٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>