للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً؛} أي كما كرهتم أكل لحم الميت طبعا فاكرهوا غيبة الحيّ عقلا، فإنّ العقل أحقّ أن يتّبع من الطّبع. ووجه تشبيه الغيبة بأكل لحمه ميتا أنّ الاغتياب ذكر له بالسّوء من غير أن يحسّ هو بذلك، فهو بمنزلة الأكل من لحمه وهو ميّت لا يحسّ بذلك.

وعن ابن عبّاس أنّه دخل الكعبة فقال: (ما أطيب ريحك وأعظم حرمتك، ولحرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمتك، إنّما جعلك الله حراما، وحرّم من المؤمن دمه وماله وعرضه، وأن يظنّ به السّوء).

وعن الحسن أنه قيل له: إنّ أقواما يجلسون مجلسك ويحفظون عليك سقط كلامك ثمّ يغيبونك، فقال: طمّعت نفسي في جوار الرّحمن وطول الجنان والنّجاة من النّيران ومرافقة الأنبياء عليهم السّلام، ولم أطمع نفسي في السّلامة من النّاس، إنّه لو سلم من النّاس أحد لسلم منهم خالقهم، فإذا لم يسلم منهم خالقهم فالمخلوق أجدر أن لا يسلم.

قوله تعالى: {فَكَرِهْتُمُوهُ؛} أي كما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسّوء غائبا. قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ؛} أي اتّقوه في الغيبة، {إِنَّ اللهَ تَوّابٌ؛} على من تاب، {رَحِيمٌ} (١٢).

قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى؛} نزلت في نفر من قريش قالوا حين سمعوا أذان بلال: أما وجد محمّد مؤذّنا غير هذا الغراب؟ والمعنى:

يا أيّها النّاس إنا خلقناكم من آدم وحوّاء، فكلّكم متساوون في النّسب، لأنّ كلّكم يرجع إلى أب واحد وأمّ واحدة. ومعنى الآية: الزّجر عن التفاخر بالأنساب، قال صلّى الله عليه وسلّم:

[إنّما أنتم من رجل واحد وامرأة واحدة، ليس لأحد على أحد فضل إلاّ بالتّقوى] (١).


(١) في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٦ ص ٣٣٩ - ٣٤٠؛ قال القرطبي: (وقد أخرج الطبري في كتاب (آداب النفوس) وذكره بمعناه. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أخرجه الطبري بمعناه أيضا في الحديث (٢٤٦٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>