{إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ؛} أي نوحّده ونعبده في الدّنيا، {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}(٢٨)؛أي هو اللّطيف بعباده، الرّحيم بهم.
والسّموم: من أسماء جهنّم في قول الحسن، وقال الكلبيّ:(عذاب النّار)،وقال الزجّاج:(هو لفح جهنّم وحرّها).ومن قرأ «(إنّه هو)» بكسر الهمز فإنه استأنف الكلام.
قوله تعالى:{فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ}(٢٩) أي فعظ بالقرآن أهل مكّة، ولا تترك وعظهم لنسبتهم إياك إلى الكهانة والجنون، فلست بحمد الله كما يقولون.
والكاهن هو المبتدع القول الذي يقول: معي تابع من الجنّ، والمعنى فما أنت بنعمة ربك بإنعامه عليك بالنبوّة بكاهن، وهو الذي يوهم أنه يعلم الغيب ويخبر بما في غد من غير وحي؛ أي لست تقول ما تقوله كهانة ولا تنطق إلاّ بالوحي.
قوله تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}(٣٠)؛أي بل يقولون هو شاعر ننتظر به نوائب المنون فنستريح منه، وريب المنون: حوادث الدّهر وصروفه؛ أي ننتظر به حدثان الموت وحدثان الدّهر، فيهلك كما هلك من قبله من الشّعراء.
وفي اللغة: مننت الجبل؛ أي قطعته ومننت الشيء إذا أنقضته، والموت يقطع الأجل فسمّي المنون، والدهر ينقض فسمي المنون، وقد يكون المنون بمعنى المنيّة.
قوله تعالى:{قُلْ تَرَبَّصُوا؛} أي انتظروا فيّ الموت، {فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}(٣١)؛أي من المنتظرين عذابكم، فعذّبوا يوم بدر بالسّيف. وقيل:
معناه: قل تربّصوا بي الدوائر، فإنّي معكم من المتربصين بكم.
فأهلك الله القوم الذين قالوا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا القول قبل قبضه عليه السّلام وكان منهم أبو جهل، وكانوا يعلمون أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليس بشاعر كما علموا أنه صلّى الله عليه وسلّم ليس بمجنون.