للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا؛} معناه: أم تأمرهم عقولهم بهذا، وذلك أنّ قريشا كانوا يعدّون في الجاهليّة أهل الأحلام ويوصفون بالعقل، فأزرى الله بحلومهم حيث لم يثمر لهم معرفة الحقّ من الباطل. وقيل لعمرو بن العاص: (ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله بالعقول؟ فقال: تلك عقول لم يصحبها التّوفيق) (١).

وقوله تعالى: {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ} (٣٢)؛أي بل هم قوم طاغون حملهم الطّغيان على تكذيبك يا محمّد، وكانوا يزعمون أنّ محمّدا كان لا يوازيهم في عقولهم وأحلامهم، فقيل لهم على وجه التعجّب: أتأمرهم أحلامهم بهذا الذي يفعلونه أم طغيانهم وإفراطهم في الكفر.

قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ؛} معناه: يقولون إنّ محمّدا اختلق القرآن من تلقاء نفسه، والتّقوّل: تكلّف القول، لا يستعمل إلاّ في الكذب، بل ليس كما يقولون، {بَلْ لا يُؤْمِنُونَ} (٣٣)؛استكبارا. ثم ألزمهم الحجّة فقال تعالى:

{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ؛} أي مثل القرآن في نظمه وحسن بنائه، {إِنْ كانُوا صادِقِينَ} (٣٤)؛أن محمّدا تقوّله في نفسه، فإنّ اللسان لسانهم وهم مستوون في السّربة (٢).

قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ} (٣٥)؛ معناه: أخلقوا من غير ربّ، وتكوّنوا من ذات أنفسهم؟ أم هم الخالقون فلا يسألون عن أعمالهم؟ قال ابن عبّاس: (معناه: أخلقوا من غير أمّ وأب فهم كالجماد لا يعقلون ولا تقوم لله عليهم حجّة، أليسوا خلقوا من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة).

وقال ابن كيسان: (معناه: أخلقوا عبثا فيتركون سدى، لا يؤمرون ولا ينهون، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ فلا يجب لله عليهم أمر) (٣).


(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٧ ص ٧٣.
(٢) السّرب-بالكسر-:النّفس، يقال: فلان آمن في سربه؛ أي في نفسه. مختار الصحاح: ص ٢٩٣.
(٣) نقل البغوي هذه الأقوال في معالم التنزيل: ص ١٢٤٠.والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٧ ص ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>