وصيّرناهم كسائر الوجه لا يرى له شقّ، فكانوا عميانا متحيّرين لا يهتدون إلى الباب، فقيل لهم:{فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ}(٣٧)؛يقال: فلان مطموس البصر إذا كان موضع عينيه أملس، لا أثر به للعين من الجفن والحدقة.
قوله تعالى:{وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً؛} أي أتاهم العذاب صباحا، يعني أخذهم عند الصّبح، {عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ}(٣٨)،عذاب دائم متّصل بعذاب الآخرة.
موسى عليه السّلام وهارون، وأسماء الجمع يطلق على الاثنين. وقيل: أراد به الآيات التي فيها الإنذار، وقيل: المواعظ.
قوله تعالى:{كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ؛} أي فأخذناهم بالعذاب، {أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ}(٤٢)،غالب في انتقامه، متقدر قادر على إهلاكهم، والعزيز القويّ الذي لا يلحقه ضعف ولا عجز، ولا يعتريه منع ولا دفع.
قوله تعالى:{أَكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ؛} معناه: أكفّاركم يا أهل مكّة أشدّ وأقوى من أولئكم الذين قصصنا ذكرهم، وهذا استفهام ومعناه الإنكار؛ أي ليسوا أقوى من قوم نوح وعاد وثمود. قوله تعالى:{أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ}(٤٣)؛ معناه: ألكم براءة من العذاب في الكتب لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية.
قوله تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ}(٤٤)؛معناه: أم يقولون نحن جميع واحد ومتّفقون على الانتصار من أعدائنا. ووحّد المنتصر للفظ الجميع وهو واحد في اللفظ.
قال الله تعالى:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}(٤٥)؛أي سيهزم الجمع كفّار مكة يوم بدر، ويولّون الدّبر منهزمين. ومعنى الآية: أنّ كفار مكّة يقولون: (نحن جميع منتصر) أي جماعة لا نضام (١) ولا نرام، ولا يصدّنا أحد بسوء ولاء، ولا أحد
(١) أي لا نظلم، والضّيم: الظّلم. وأنهم لا يزاحمون على ما يريدون. ينظر: لسان العرب: ج ٨ ص ١١٢: (ضيم).