للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما: «(والريحان)» بالكسر عطفا على (العصف) كأنه قال: والحب ذو العصف وذو الريحان، وهو الرزق الذي يخلق في السنبل، فالريحان رزق الناس، والعصف رزق الدواب، فذكر قوت الناس والأنعام (١).

ثم خاطب الجن والإنس فقال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} (١٣)؛ وإنما قال الخطاب للجن والإنس؛ لأن تلك الأيام فيما مضى تشتمل على الجن والإنس، والمعنى: فبأي نعمة من نعم ربكما تكذبان من هذه الأشياء المذكورة، فإنها كلها مما أنعم الله بها عليكم، من دلالته إياكم على توحيده، ومن رزقه إياكم ما به قوامكم.

وإنما خاطب الجن والإنس لأنهما مشتركان في الوعد والوعيد. وإنما كررت هذه الآية في هذه السورة تقديرا للنعمة وتأكيدا للتذكير بها على عادة العرب في الإبلاغ والاتباع.

وقال الحسين بن الفضل: (التكرار لطرد الغفلة وتأكيد الحجة) (٢).وقيل: لما عدد الله نعمة بعد نعمة، كرر هذا القول ترغيبا في الشكر، وتحذيرا من الكفر والتكذيب بنعم الله.

وهذه على وجه الحقيقة ليس بتكرار؛ لأنه ذكر كل واحد منها عقيب نعمة لم يتقدم ذكراها. وعن جابر بن عبد الله قال: (قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال: [ما لي أراكم سكوتا؟ للجن كانوا أحسن منكم ردا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} إلا قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد]) (٣).


(١) ينظر: الحجة للقراء السبعة: ج ٤ ص ١٣ - ١٤.
(٢) نقله الثعلبي في الكشف والبيان: ج ٩ ص ١٨٠.وذكره أيضا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٧ ص ١٦٠.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (٢٥٤٩٠) عن ابن عمر رضي الله عنهما. والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: ج ٥ ص ٥٩: حديث الترجمة (٢٣٩٦).وفي الدر المنثور: ج ٧ ص ٦٩٠؛ قال السيوطي: (أخرجه البزار وابن جرير وابن المنذر والدارقطني في الافراد وابن مردويه والخطيب في تاريخه بسند صحيح عن ابن عمر).

<<  <  ج: ص:  >  >>