للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنّ معنى العود هو أن يعود المقول فيه فيستبيح ما حرّمه بالظهار، وقد يذكر المصدر ويراد به المقول كما قال صلّى الله عليه وسلّم: [العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه] (١) وإنّما هو عائد في الموهوب. ويقال: اللهمّ أنت رجاؤنا؛ أي مرجوّنا، وقال تعالى: {حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (٢) أي الموقن به، والعود في الشّيء هو فعل ما يناقض ذلك الشيء، وحروف الصّفات يقوم بعضها مقام بعض كما في قوله تعالى {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (٣)،فيكون المعنى: ثمّ يعودون فيما قالوا.

والإمساك على النّكاح عقيب الظّهار لا يكون عودا على وجه التّراخي ولا يناقض لفظ الظّهار، فإنّ الظهار لا يوجب تحريم العقد حتى يكون إمساكها على النكاح عودا، ثم على مذهب أبي حنيفة: إذا قصد أن يستبيحها ثم أبانها سقطت الكفارة عنه.

وفي قوله تعالى {(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا)} دليل على أنّ هذه الكفارة إنما شرعت لدفع الحرمة في المستقبل، وفيه دليل تحريم التّقبيل واللّمس قبل التكفير؛ لأنّ قوله تعالى {(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا)} يتناول جميع ضروب المسيس.

وفي قوله تعالى {(مِنْ نِسائِهِمْ)} دليل على أنّ الظّهار لا يكون في الإماء إلاّ إذا كنّ زوجات؛ لأنّ إطلاق لفظ النساء ينصرف إلى الحرائر كما في قوله تعالى {أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ} (٤).وفي قوله تعالى {(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)} دليل على جواز إعتاق الرّقبة الكافرة في الظّهار؛ لأن ذكر الرّقبة مطلق في الآية، بخلاف كفّارة القتل.

والأصل في الظّهار أنه إذا ذكر في المرأة ما يجمعها مثل الجسد والبدن والرأس والرّقبة ونحوها، والظهر والبطن والفرج والفخذ وشبّهها بمحارمه كان مظاهرا. وإن


(١) إسناده صحيح، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ج ١٠ ص ٢٩٠:الحديث (٢٠٦٩٢ و ١٠٦٩٣).والإمام أحمد في المسند: ج ١ ص ٢٨٠ و ٣٤٢.والبخاري في الصحيح: كتاب الهبة: باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته: الحديث (٢٦٢١).
(٢) الحجر ٩٩/.
(٣) طه ٧١/.
(٤) النور ٣١/.

<<  <  ج: ص:  >  >>