قوله تعالى:{*أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا؛} يعني عبد الله بن أبيّ وأصحابه، ومعنى (نافقوا) أي أظهروا خلاف ما أضمروا، {يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ؛} وهم بنو قريظة وبنو النضير، سمّاهم إخوانهم لأنّهم كفار مثلهم.
قوله تعالى:{لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ؛} أي لئن أخرجتم من دياركم؛ أي لغربة {لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ؛} أي لا نساكن محمّدا، {وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً؛} ولا نطيعه على قتالكم، {وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ؛} فإن قاتلكم محمّد وأصحابه، لنعاوننّكم عليه حتى تكون أيدينا يدا واحدة في المقاتلة حتى نغلبهم، وعدوهم أنّهم ينصرونهم، فكذبهم الله في ذلك بقوله تعالى:{وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ}(١١) في مقاتلتهم، وقد بان كذبهم في ما نزل ببني النّضير من الجلاء وفيما أصاب بني قريظة من القتل.
ثم ذكر الله أنّهم يخلفونهم ما وعدوهم من الخروج والنصر، فقال تعالى:
{لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ؛} فكان الأمر على ما ذكر الله تعالى؛ لأنّهم أخرجوا من ديارهم فلم يخرج معهم المنافقون، وقوتلوا فلم ينصرونهم أظهر الله كذبهم وأبان صدق ما قال الله تعالى.
وقوله تعالى:{وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}(١٢)؛ معناه: ولئن قدّر وجود نصرهم؛ لأن ما نفاه الله لا يجوز وجوده، قال الزجّاجيّ:
(معناه: لو قصدوا نصر اليهود لولّوا الأدبار مهزومين). {(ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)} يعني بني النّضير لا يصيرون منصورين إذا انهزم ناصروهم.
قوله تعالى:{لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ؛} معناه: لأنتم يا معشر المسلمين أهيب في قلوب المنافقين واليهود من عذاب الله، وخوفهم منكم أشدّ من خوفهم الله لعلمهم بكم وصفاتكم، وجهلهم بالله وعظمته، {ذلِكَ؛} الخوف الذي بهم منكم دون الله، {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ}(١٣)؛لا يعرفون الله تعالى، ولو عرفوه لعلموا أنّ عقوبة الله أعظم مما عساه يقع بهم من فعل المؤمنين.