للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي هذه الآية بيان أنّه لا ينبغي لأحد أن يكون خوفه من الناس أزيد من خوفه من الله تعالى، وإنّ من زاد خوفه من أحد من الناس على خوفه من الله فليس بفقيه، إنما الفقيه من يخشى الله كما في آية أخرى {إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} (١)، والفقه: العلم بمفهوم الكلام في إدراك ظاهره بمضمونه، والناس يتفاضلون في الإدراك لاختلافهم في جودة القريحة وسرعة الفطنة.

قوله تعالى: {لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ} ومعناه: لا يقاتلونكم بنو قريظة إلاّ في حصون موثّقة أو من خلف جدار، لما قذف الله في قلوبهم الرّعب، ولا يقاتلونكم مبارزة.

قرأ ابن عبّاس ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو «(أو من وراء جدار)» بالألف على الواحد. ويروي بعض أهل مكّة «(جدر)» بفتح الجيم وجزم الدال وهي لغة في الجدار، وقرأ يحيى بن وثّاب «(جدر)» بضم الجيم وجزم الدال، وقرأ الباقون بضمّهما.

قوله تعالى: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ؛} يعني بعضهم وعداوة بعضهم لبعض شديد، وبينهم مخالفة وعداوة عظيمة، {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً؛} أي تحسبهم متّفقين على أمر واحد بنيّات مجتمعة إذا قاتلوا المؤمنين، {وَقُلُوبُهُمْ شَتّى؛} أي متفرّقة لا يتعاونون لمعاداة بعضهم بعضا، وإن أظهروا الموافقة، والمعنى: أنّهم مختلفون لا تستوي قلوبهم ولا نيّاتهم لأنّ الله خذلهم، {ذلِكَ؛} الاختلاف، {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} (١٤)؛ما فيه الحظّ لهم ولا يعقلون الرّشد من الغيّ.

قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ؛} معناه:

مثل هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم وهم كفار مكّة، يعني: مثلهم في ما ينزل من العقوبة كمثل مشركي مكّة، وقوله تعالى {(قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ)} يعني القتل والأسر ببدر، وكان ذلك قبل غزوة بني النّضير بستّة أشهر، {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} (١٥)؛ في الآخرة.


(١) فاطر ٢٨/.

<<  <  ج: ص:  >  >>