للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ؛} أي مثل الكافرين في غرورهم لبني النضير وخلاّنهم، كمثل الشّيطان في غروره لابن آدم إذ دعاه إلى الكفر بما زيّنه له من المعاصي، فلمّا كفر الآدميّ تبرّأ الشيطان منه ومن دينه في الآخرة.

ويقال: إنّ المراد بهذه الآية إنسان بعينه يقال له برصيصا، عبد الله تعالى في صومعة له سبعين سنة، وكان من بني إسرائيل، فعالجه إبليس فلم يقدر عليه، فجمع ذات يوم مردة الشياطين وقال لهم: ألا أحد منكم يكفيني أمر برصيصا؟ فقال له الأبيض: أنا أكفيكه، وكان من شدّة تمرّد هذا الأبيض أنه اعترض النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليوسوس إليه، فدفعه جبريل دفعة هيّنة فوقع في أقصى أرض الهند.

فقال الأبيض لإبليس: أنا أزيّن له، فتزيّن بزينة الرّهبان ومضى حتى أتى صومعة برصيصا، فأقبل على العبادة في أصل الصّومعة فانفتل برصيصا فاذا هو يراه قائم يصلّي في هيئة حسنة من هيئة الرّهبان، فأقبل إليه وقال: يا هذا ما حاجتك؟ فقال: أحبّ أن أكون معك فأتعلّم منك وأقتبس علمك، فتدعو لي وأدعو لك، فقال برصيصا: إنّي لفي شغل عنك، فإن كنت مؤمنا فسيجعل الله لك نصيبا مما أدعوه للمؤمنين والمؤمنات.

ثم أقبل على صلاته وترك الأبيض، وقام الأبيض يصلّي فلم يلتفت برصيصا إلاّ بعد أربعين يوما، فلمّا التفت بعد الأربعين رآه قائما يصلّي، فلما رأى برصيصا شدّة اجتهاده وكثرة ابتهاله وتضرّعه أقبل إليه، وقال: اطلب حاجتك، قال: حاجتي أن تأذن لي فارتفع إليك فأكون في صومعتك، فأذن له فارتفع اليه.

فأقام في صومعته حولا كاملا يتعبّد، لا يفطر إلاّ في كلّ أربعين يوما يوما، ولا ينفتل إلاّ في كلّ أربعين يوما يوما، فلما رآه برصيصا ورأى شدّة اجتهاده أعجبه شأنه، وتقاصرت عنده عبادة نفسه.

فلمّا حال الحول قال الأبيض لبرصيصا: إنّي منطلق إلى صاحب لي غيرك أشدّ اجتهادا منك، وإنه قد كان بلغني عنك من العبادة والاجتهاد غير الذي أرى منك،

<<  <  ج: ص:  >  >>