للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فدخل على برصيصا من كلامه ذلك أمر عظيم وكره مفارقته لما رأى من شدّة اجتهاده في العبادة.

فلمّا ودّعه قال له الأبيض: إنّ عندي دعوات أعلّمكها تدعو بها، فهي خير لك مما أنت فيه، يشفى بها السقيم، ويعافى بها المبتلى والمجنون، فقال برصيصا: إنّي أكره هذه المنزلة، وإنّ لي في نفسي شغلا، وإنّي أخاف إن علم الناس بذلك شغلوني عن العبادة. فلم يزل به الأبيض حتى علّمه.

وانطلق الأبيض حتى أتى إبليس وقال له: قد والله أهلكت الرجل. ثم انطلق الأبيض إلى رجل فخنقه، ثم جاء إلى أهله في صورة طبيب فقال لهم: إنّ بصاحبكم جنونا، فقالوا له: عالجه لنا وداوه، فقال: إنّي لا أقوى على جنّيّته! ولكن أرشدكم إلى من يدعو له فيعافى، قالوا: دلّنا. قال: انطلقوا إلى برصيصا، فإن عنده الاسم الأعظم الذي إذا دعا الله به أجاب، فمضوا بصاحبهم إليه، فدعا له بتلك الكلمات التي علّمه إياها، الأبيض فذهب عنه الشيطان.

ثم انطلق الأبيض إلى صبيّة من بنات الملوك ولها ثلاثة إخوة، وكان لهم عمّ هو ملك بني إسرائيل، فخنقها ثم جاء إليهم في صورة طبيب، فعالجها وداواها، فلم يذهب عنها، فقال لهم: إنّ الذي عرض لها مارد لا يطاق، ولكنّي أرشدكم إلى رجل يدعو لها بدعوات فتعافى، قالوا: من هو؟ قال: برصيصا. قالوا: وكيف يجيبنا ذلك إلى هذا الأمر؟ وكيف يقبلها منّا؟ قال: ابنوا لها صومعة إلى جنب صومعته وتكون لزيقا بصومعته، وقولوا له: هذه أمانة عندك فاحتسب فيها.

قال: فانطلقوا بها إليه فلم يقبلها، فبنوا لها صومعة كما ذكر لهم الأبيض وتركوها فيها، وقالوا لبرصيصا: هذه أختنا وقد عرض لها عدوّ من أعداء الله، فهي أمانة عندك فاحتسب فيها، ثم انصرفوا. فلما انفتل برصيصا عن صلاته عاينها فرأى جمالا رائقا وحسنا فائقا فسقط في يديه، ودخل عليه أمر عظيم، فجاءها الأبيض فخنقها، فلما رأى برصيصا ذلك انفتل من صلاته ودعا بتلك الدّعوات، فذهب عنها الشّيطان، ثم جاء الأبيض إلى برصيصا، قال: وأين تجد مثل هذه؟ واقعها وأنت تتوب بعد ذلك، ولم يزل به حتى واقعها، فأقامت معه وهو يواقعها حتى حملت وظهر حملها.

<<  <  ج: ص:  >  >>